أعتاد الساسة اليمنيون على التحالفات وغدر بعضهم كثقافة سياسية موروثة للوصول إلى سدة الحكم , وجميع هذه التحالفات تتشابه في الهدف وتختلف في التخطيط مجملها مشاهد متكررة اغلبها دموية مؤلمه يكتنفها الغموض وتغور في طور التحليلات , وقد تقيد بأسماء مجهولة وهي قضايا جوهرية عجز المتابعون معرفة تفاصيلها .
وبعد أن خرج الشعب بشق الأنفس من دوامة ثورة الشباب 2011م ظهر للساحة لجان شعبية تتقدمها مليشيات الحوثي المسلحة على هاجس مطالب مشروعة أولها إسقاط الجرعة السعرية للمشتقات النفطية التي أيديها الجميع .. لكن لم يلبث الأمر أيام حتى ارتفع سقف المطالب وظهرت تحالفات لهذه الجماعة مع قوى سابقه وأخرى حاكمة للإطاحة بمراكز النفوذ القبلية والعسكرية والدينية المنضوية جميعها تحت راية جماعة الإخوان المسلمين ( الإصلاح )التي سقطت في غضون أيام قليله على يد جماعة أنصار الله ( الحوثيين ) الصاعدة والمتلهفة للسلطة لتوسيع نفوذها وإعادة مجد أجدادها.
لقد سقطوا الإخوان عندما سقطت عمران بيد الحوثيين والتي شكلت نقطة بداية للانطلاق صوب العاصمة صنعاء التي عاشت أحداث واعتصامات مفتعله كخطة شبه منسقه مع قوى فاعله في السلطة ، استهدفت افتعال جرعة سعريه لتصنع صهوة يمتطي عليها الحوثيين ليكسبوا تأييد شريحة واسعه من أبناء الشعب الذين احتشدوا معهم في شوارع المدن لأسابيع , خلالها تشكلت لجان صلح لدغدغة مشاعر المتفائلين بانفراج الأزمة ,, وما لبثت هذه الشروط أن تدخل حيز التنفيذ مع وعود لتغير الحكومة وبدء تنفيذ مخرجات الحوار حتى دوت الصيحات وبدأ العداء السياسي التأريخي للإخوان أن يتحول إلى مواجهات مع أنصار الله , الذي انتهى برحيل قيادة الأخوان من المشهد السياسي وتشريدهم واختفاء البعض منهم في ظل صمت للسلطة وبمساعدة قوى منتقمة عانت كثيراً من هذه القوى التقليدية ، حيث ان هذه النتيجة نالت رضى السواد الأعظم من أبناء الشعب وفرح بها الجميع ليس حب في جماعة الحوثي ولكن رغبة في رؤية مصرع وسقوط الأخوان الذين عاثوا بالأرض فسادا وبهذا صنعوا معروفا في إزاحة كابوسا كان جاثما على صدور اليمنيين لعقود من الزمن .
فيما هروب الجنرال علي محسن قد خلف هزيمة لسمعته وعويل لأنصاره وابتسامة مرسومة على وجوه من وقعت مظالمهم على يده , ليدخل بذلك نفقا مظلما من التاريخ الذي لا يرحم ، بعد أن ترجل دبابات الموت رافع راية الوحدة فوق أشلاء أبناء الجنوب ها هو اليوم يرفع راية الاستسلام والهزيمة . ،، وتلك الأيام نداولها بين الناس ،، وسبقه قبل ذلك رحيل رجل الأعمال حميد الأحمر إلى خارج الوطن بعد إن اتخذ من ثروات الشعب التي أممها غنيمة لبناء ثرواته . ،، وهذه الدار لاتبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شان ،، وها هو الزنداني قد غاب واختفى عن المشهد والذي اعتاد توزيع صكوك الموت عبر الفتاوى التي لم نسمع لها أثراً بعد اليوم .
وبعد أن رحلت أقطاب الفساد وعصابات الوطن التي استنزفته وقضت على ثرواته وأمنه وسلمه الاجتماعي ، لم يبقى في الساحة غير الرئيس المخلوع الفاقد لأي شرعية قانونيه أو إنسانيه تمكنه من العودة إلى السلطة من جديد فهو الشريك الوحيد والراعي الرسمي للقوى التقليدية التي دمرت اليمن ووحدته ومستقبله وعبثت بالمال العام ، مكتفيا بما حققه من انتقام عليها ،، ويبقى امل الشعب في الرئيس هادي في إزاحة القوى المعرقلة لأي قرارات استراتيجية وتنموية من شانها أن تخرج اليمن من دوامة الصراعات المتتالية مع الحوثيين في ( الشمال ) والذين بدورهم يسعون للإنفراد بالسلطة ولو تطلب ذلك فتح صنعاء من جديد ,,
وتكمن العبرة والحكمة بالخروج الآمن للوطن في اختيار الطرق السليمة والتي من شأنها أن تخرج اليمن من دوامة الصراعات وذلك بالتحالف مع الحوثيين في إخراج اليمن مما هو فيه بتقاسم السلطة بين الجنوبين والحوثيين بعد إجراء حوار ندي جنوبي شمالي حسب ما وعد الحوثيين بدولة مدنيه ديمقراطية تنهج العدل والمساواة لكل أبناء الشعب .
وأن السطو العسكري والمكسب السياسي الذي حققته تلك القوى بالاستيلاء على العاصمة صنعاء لم يكن محض الصدفة أو البركة حسب زعمهم كما كانت عليه المعارك في جبال مران في صعدة خلال الحروب الستة السابقة , بل ما حصل لايخلوا من التحالف الداخلي والتأيد الدولي الذي جعل من البند السابع للأمم المتحدة مجرد زلة لسان لم يشفع لمندوبها بن عمر في احترام مهمته الأممية مما جعله يفترش الأرض ويصغي إلى مطالب زعيم الحوثيين في صعده .
إن التحدي الأكبر اليوم بعد رحيل مراكز النفوذ والعصابات يكمن في إيجاد حلول واقعية منصفه حتى تلبي تطلعات الشعب لأن المشهد لم يكتمل بعد ومستقبل اليمن السياسي مجهول لهذا وجب ان تتضح ملامح وشكل الدولة بعيدا عن المراهنه بمخرجات الحوار التي لم تتتوافق عليها القوى بشكل مرضي للجميع .. وحتى ألان لا ندري من سيكون صاحب الحظ الأوفر بين القوى المتحالفة للفوز بالسلطة بعد كل هذه التغيرات المفاجئة .. والأيام القادمة مليئة بالمفاجآت وسقوط العاصمة بهذه السرعة لا محالة سيرسم خارطة جديدة للبلاد .
وايضا من الصعب أن نتوقع مدى تأثر القضية الجنوبية سلبا أو إيجابا بأحداث صنعاء إذ تذهب الظنون حتى ألان إلى أن ما أحدثه عبد ربه من تواطىء مع جماعة أنصار الله تهدف الى إشراكهم في السلطة وإحلالهم بديل عن قوى الاخوان ومن ثم تسليمهم الإقليم الشمالي وترك الحرية لأبناء الجنوب في تقرير مصيرهم وإدارة دولتهم على المدى البعيد .
ودعوة لجميع شرائح المجتمع الجنوبي بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية ومنهم شباب حزب الاصلاح المحبين لوطنهم بعد رحيل قياداتهم التي كانت تعيق اي تقدم للقضية الجنوبية إلى إصطفاف وطني والالتحاق بصفوف الحراك الجنوبي المطالبة بالاستفتاء وتقرير المصير والمؤمنه ايمانا كاملا بإستعادة الدولة الجنوبية ،، وعلى أبناء الجنوب أن يأخذوا العبرة مما حصل في صنعاء ويدركوا أن استعادة الوطن لن تكفي معه السلمية ولا القيادة الممزقة وذلك لغياب المشروع الجماعي والعمل المنظم والهادف إلى استخدام خيارات أكثر جدية .. وأن مايحدث في صنعاء فرصه يجب استغلالها وعدم تضيعها حتى يتمكن الجنوبيين من استعادة دولتهم التي ناضلوا ﻻجلها سنوات طويله .
كتب* / عبده الحسني .