الحقيقة أنه ليس كتاباً بحجم الكتب المتعارف عليها ,وإنما هي رسالة صغيرة في حجم كتيب لا تتجاوز صفحاته ( 180) صفحة , لكن مفاهيمها ومدلولاتها ومعانيها تحتاج إلى مجلدات ضخمة .
لقد حرص الكاتب أن يوجز المعنى المراد إيصاله إلينا أشد الإيجاز وأن يختصر مضمونه أشد الإختصار .. ليأتي في حجم رسالة صغيرة في متناول الكل .
وأنا هنا سوف أُشير إشارات سريعة لأبرز المفاهيم التي حملتها هذه الرسالة وكلي أمل أن يرجع القارىء إلى الرسالة عينها فيطلع عليها من خلال الشبكة العنكبوتية .
وبما أنٌَ الكتاب من عنوانه كما يقال فعنوان الرسالة غاية في الوضوح فهو هنا يشير إلى أهمية ودور الثقافة في نهضة الشعوب.. خاصة ونحن نشهد حملات مسعورة لتشويه تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا ..
وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى جهود جبارة من قبل مثقفي الأمة لتنقية الدَّخَن وتصفية الشوائب التي علقت بها .
محور الكتاب هو الصراع بين الإسلام والنصرانية والذي ابتدأ منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية وصعود نجم الإسلام واتساع رقعة فتوحاته .
تكشفت صورته بجلاء ووضوح منذ أن فكر قادة النصرانية أن يثأروا لهزائمهم وأن يستردوا ملكهم المسلوب .
تمثل ذلك من خلال الحملات الصليبية لغزو بلاد الإسلام عام 1096م والتي استمرت حوالي قرنين.
لكن تلك الحملات السبع لم تحقق أي إنجازات ملموسة على الأرض .
وفي عام 1291م وصلوا إلى قناعة تامة بعدم جدوى الحملات العسكرية على ديار المسلمين فتوقفت تلك الحروب نحو قرن ونصف من الزمن ..حتى وقعت الواقعة وذلك بسقوط القسطنطنية عاصمة المسيحية على يد البطل محمد الفاتح عام 1453م ..عندها اهتز العالم الأوروبي كله على وقع هذه الهزيمة ..وباتت أوروبا لا تبيت إلا على فرش من الرمضاء اللاذعة ..لا يدع لجنب ساعة من طمأنينة .
لذلك كانت تلك الهزيمة النكراء سبباً في يقظة قادة النصرانية ودفعهتم بعنف إلى التفكير العميق في رفع هذا العار الذي لحق بهم .
ومن حينها تولد لدى قادة النصرانية إصرار عجيب ومستميت لدفع هذا الخطر الماحق والثأر له .
ففكروا وقدروا , ثم فكروا وقدروا وأعادوا التفكير ..فوصلوا إلى قناعة تامة أنَّ السبيل الوحيد لاسترداد الملك المسلوب هو التسلح بالعلم والوصول إلى قلب العالم الإسلامي بدون قتال .
لذلك انبرى مجموعة من القساوسة ورجال الدين يجوبون القفار والفيافي لطلب العلم في حواضر العالم الإسلامي يستقونه من منابعه حتى حذقوا كثيراً من العلوم .
وكان أبرز من تولى كبر هذه المهمة الراهب الألماني ( مارتن لوثر ) والفرنسي (جون كلفن ) (والإيطالي ) ( مكافيلي ) فخططوا لدفع الجماهير للتعلم ونشره وبكل الوسائل المتاحة .
وهنا أخذت الحياة تدب في الجسد الأوروبي المتهالك رويداً رويداً , وبدأت أوربا تسترد عافيتها شيئاً فشيئاً.. وبذلوا قصارى جهدهم للإنفكاك من عهد القرون الوسطى والولوج إلى عصور جديدة .
وحينها بدأت تظهر براعيم ثمارهم اليانعة الشهية , فتولدت لديهم الحماسة وتعالت الهمم ومُهٌِدت الطرق الوعرة ,ودبت النشوة لدى الجماهير لاسترداد ملكهم المسلوب , ولاحت بوادر النصر .
وبعد صبر عسير وجهد طويل , وحمية متقدة ..حطمت أوروبا أغلال العصور الوسطى وفتحت أبواب العصور الحديثة لتضع اللبنات الأولى لنهضتها التي لا تزال تنمو حتى هذه الساعة .
وهنا أجدني مضطراً للتوقف مع القارىء قليلاً ..للنظر إلى أمرين هما في غاية الأهمية .
الأول : يتمثل في دور العلم في نهضة الشعوب .
الثاني : إنٌَ ثمرة النصر لا تُنْضج إلا بعد جهد شاق وعمل دؤوب وصبر مرير ربما احتاج إلى قرون ..كما رأينا ذلك في وضع أوروبا .
وهذا الأمر يدعونا اليوم إلى أن نتسلح بالعلم ونتحلى بالصبر , ونتصف بالعزيمة حتى نعيد مجدنا المسلوب .
على العموم منذ ذلك التاريخ دخلت أوروبا مرحلة جديدة في صراعها مع المسلمين هي أشد وأفتك وأفضع من قعقعة السيوف .
تمثلت تلك المرحلة في تجهيز وإعداد المستشرقين إرسالهم إلى بلادنا وذلك لتهيئة الإرضية لغزو عسكري جديد , فكان أولئك المستشرقون هم عين الإستعمار الصليبي التي يبصر بها ورجله التي يتحرك بها , ويده التي يبطش بها , ورئته التي يتنفس بها .. فانطلق أولئك الأبالسة انطلاقة السهم المجنون يجوبون الفيافي والصحاري والمدن القفار ويلبسون لذلك كل لبس ويتلونون كل لون , ويستخدمون كل وسيلة مهما كانت قذارتها وحقارتها لتحقيق مآربهم .
فدخلوا البلاد الإسلامية في زي التُجٌَار والحرفيين والمهنيين والمعلمين والوعاظ والدعاة وعلماء دين وووو.
فانساحوا في أوساط المجتمع يبثون حقدهم, وينفثون سمومهم , ويزرعون الفتن , ويوسعون الخلافات , ويصدَّرون الشكوك في مناهج الإسلام ..فلم يتركوا وسيلة بشعة إلا واستخدموها للوصول إلى أهدافهم .
ففي ظل فتوة النهضة الأوروبية وشيخوخة الحضارة الإسلامية التي دب فيها الوهن نتيجة الصراعات الداخلية التي كان يغذيها أولئك الأوغاد خفية.. استطاعوا فعلاً أن يصلوا إلى غاياتهم ..حيث نخروا جسم الأمة من داخله كنخر الأرضة للعود الصُلب.. وذلك من خلال تجندين أبناء الإسلام أنفسهم لتمهيد وتعبيد طرق وصولهم .
لذلك ما إن استشعروا أنٌَ الفريسة قد أصبحت جاهزة وأنً الثمرة قد أضحت ناضجة ..أشاروا إلى قادهم أنٌَ الوقت قد حان لغزو بلاد المسلمين .
وبالفعل تحركت جحافل النصرانية تطوي السهول والبحار القفار كالريح الهوجاء بقيادة المجرم الفرنسي ( نابليون ) الذي وصلت جيوشه الجرارة بداية يوليو عام 1798م إلى الديار المصرية فهوىعلى الإسكندرية كأنما هو صقرجارح فاستباح كل شيء فيها . ثم انطلق إلى القاهرة حيث دخلت جيوشه مثل سيل جارف لا يلوي على شيء, فولجوا الأزهر الشريف .. فراثت فيه خيولهم وتغوطوا داخله وأحدثوا فيه خراباً وأي خراب !!
كما قام ذلك المجرم بمجازر مروعة تقشعر منها الأبدان واستباح الأموال والأعراض والدماء حتى وصل به الأمر
أن يأخذ كل صباح يوم جديد ( خمسة أو ستة أشخاص ) من وجهاء القوم وأعيانهم وعلمائهم فيقتلهم ويُطَافُ برؤوسهم على رؤوس الأشهاد في المدينة وهو يقول : إنَّ هذه هي الطريقة الوحيدة التي بها سنخضع المسلمين وندفن بها أي روح للمقاومة.
ولكن ومع كل تلك الجرائم استطاعت المقاومة أن تلعق صَبِرَها وأن تطبب جراحها وأن تعيد بناء صفوفها.. فاستعادت زمام المبادرة لقتال المعتدي . ولمَّا تمض أربعة أعوام فقط من الغزو حتى تمكن المصريون من طرد الغازي الفرنسي وذلك عام 1801م.
وما أن اندحرت هذه الجيوش ..إلا وأسْنِدَتْ مهمة الخراب إلى تلك الأيادي المستشرقة اللئيمة التي رسخت مكانها بخبث ودهاء في أوساط المجتمع وأصبحت أو كادت أن تكون جزءاً أصيلاً منه ..فعملت على إثارة الفتن وبث الإشاعات وإحداث بلبلة في المجتمع حتى لا تستقر الأمور ,
وهذا ما تم لها بالفعل .
عندها اتفق وجهاء البلد على اسناد الأمر لرجل كانت تركيا قد أرسلته على رأس قوة عسكرية إلى مصر إبِّان الغزو الفرنسي .
هذا الرجل اسمه (محمد علي باشا )والذي تولى مقاليد الأمور في مصر عام 1805م إلى 1848م .
ومن حينها دخلت الأمة الإسلامية مرحلة هي من أشد وأخطر مراحل تاريخها !!
فهذا الرجل المغامر المتهور الجبير الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب ..عسكري غبي لكنه أشد تلوناً من جلد الحرباء . اتصف بذكاء حاد وقدرة على المراوغة والخديعة والنفاق .
ذاع صيته كقائد عسكري شرس أخضع كثيراً من التمردات مما أكسبه ثقة كبراء مصر ومشائخها ووجهائها.. فرشحوه أن يقود تلك الفترة العصيبة التي تمر بها مصر ..وكان سنه لا يتجاوز الخامسة والثلاثين .
وبالفعل استطاع محمد علي أن يخضع مصر بحنكته العسكرية ودهائه ومكره وخبثه حتى استقرت الأمور فيها .
عندها تحرك المستشرقون الخبثاء ليبثوا سمومهم في جسد الأمة المتهالك فأحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم فأغدقوا عليه المال وأوغروا قلبه بالتخلص من وجهاء مصر وعلمائها ورموزها ..فاستجاب ذلك المتهور لتلك النصائح ونفذها وأوغل في تثبيت حكمه بقوة السلاح وعمده بالدم !!
وهنا نورد أهم وأخطر وأبشع ما فعله ذلك الوغد بمصر خاصة والعالم العربي والإسلامي بشكل عام .
تمثل الأمر الأول _وهو الأشد خطراً _ في إقناعه من قبل أبالسة الإستشراق بضرورة تبني فكرة البعثات المصرية إلى الغرب .
وهذه هي قاصمة الظهر التي قصمت ظهر الأمة ولا نزال حتى الساعة نتجرع مرارتها .
ذلك أن المستشرقين أيقنوا أنٌَه لا سبيل للسيطرة على العالم الإسلامية إلا بأيادي المسلمين أنفسهم .
لذلك وجدوا ضالتهم في ذلك المتهور المغرور الغبي الذي صنعوا منه جسر عبور لتنفيذ أطماعهم.
تكمن خطورة هذه الفكرة في أنَّ بريطانيا التي خلفت الفرنسسين في مصر تختار أذكى وأنبه الطلاب لترسلهم إلى أوروبا ..وهناك يتم مسخ هويتهم وغسل أدمغتهم وإعادة برمجتهم حتى إذا ما عادوا إلى البلاد العربية والإسلامية هيؤوا لهم السبل للوصول إلى المراكز القيادية والإدارية والسياسية والإجتماعية الإعلامية ليتصدروا المشهد كدمى تحركها آيادي الغرب اللئيمة.
لذلك لا تعجب أنْ ترىأنَّ السم لا يزال يسري في جسد الأمة منذ ذلك التاريخ وحتى الوقت الراهن !! والذي يتمثل في العمالة التامة للغرب من قبل هذه الدمى المسماة مجازاً حُكاماً.
والحقيقة أنهم ليسوا بحكام وإنما هم عبيد لأسيادهم وأرباب نعمتهم .
هذا ما يتجلى بوضوح من خلال المواقف المخزية لهؤلاء الدمى تجاه قضايا الأمة المصيرية وعمالتهم المطلقة للغرب .
وهنا أجدني مضطراً فقط لإيراد أبرز وأهم وأخطر الشخصيات التي تم استقطابها وإعادة برمجتها لتكون معاول هدم ووسيلة نخر.. تنخر جسد هذه الأمة .
تمثل الخطر الأول في شخص رفاعة الطهطاوي.. والذي تكفَّل للأسف الشديد
بهدم معالم الدين .
ينتمي هذا الرجل إلى أسرة فقيرة من قرى ريف الصعيد ..
حفظ القرآن الكريم في صباه ثم انتقل إلى القاهرة وهو في السادسة عشر من عمره والتحق بالأزهر _ وكان ذكياً ألمعياً مولعاً بالقراءة والإطلاع _
فَعُيَّنَ واعض وإمام في أحد فيالق محمد علي ...
وهنا وقعت عين المستشرقين عليه فرعته واحتضنته وأحاطت به وأغدقوا عليه من متاع الدنيا , فقرروا عام 1826م إرساله إلى فرنسا كواعظ للطلاب المبتعثين إلى هناك وهو لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره ..
ولك أن تتأمل حال ذلك الشاب!!
أتى من ريف الصعيد وبؤسه وحرمانه , ويعاني من ضيق اليد , ولديه رغبة شديدة للتطلع والظهور , ويد الإستشراق ترعاه وتحوطه كما تحوط الأم وليدها .
لذلك ما أن وصل إلى فرنسا حتى انبهر بزخارف الحياة وحضارة أوروبا.. فأخذت بمجامع قلبه , وفي الوقت ذاته لم يترك له رُعاته جنباً ينقلب عليه ولم يفارقوه ساعة من ليل أو نهار ..فوقع صيداًسهلاً ولقمة
سائغة في شباك المستشرقين
وهناك قرر أن يعتكف حوالي ثلاث سنوات لتعلم واتقان اللغة الفرنسية حتى حذقها وأجادها , ثم واصل ثلاث سنوات أخرى في دراسة آدابهم وثقافتهم وتاريخهم وفلسفاتهم .. فَغُذِيَ بها بعناية فائقة وارتوى من لِبانهم المسموم.. ففتن بحضارتهم..وياللعجب !!
بعد ست سنوات عاد ذلك الشاب الثلاثيني إلى مصر وهو يلبس قبعة الأزهر ويبطن ثقافة الغرب .
عندها امتطى المستشرقون جوادهم لتحقيق مآربهم وليكون معولاً من معاول هدم الشريعة .. فابتدأ مشواره المشبوه بمشورة أبالسة الإستشراق وذلك بأن يأخذ ( 150 ) تلميذاً من النجباء والأذكياء وصغار السن من أبناء الأرياف وتلاميذ الأزهر فوضع أساساً لما سُمَّيَ بمدرسة ( الألسن ) وهي فكرة ماسونية خبيثة
ظاهرها التعليم الحديث وباطنها السم الزعاف .
ومن حينها أخذ الصدع يتسع بين حضارة الأمة وتاريخها وثقافتها ..ذلك أنٌَ الخريجين من تلك المدارس يحظون برعاية تامة وتكون لهم الأولوية في التوظيف وتولي المناصب القيادية والمراكز المرموقة في الدولة ويُقْصَى غيرهم من خريجي الأزهر وبقية المدارس .
وهنا تكمن الخطورة فالطالب يبحث عن مستقبله وما يلبي طموحه فيلتف يمنة ويسرة.. فلا يرى في الأفق إلا مدرسة الألسن ..
تلك المدرسة التي تعمل على مسخ هوية الطالب من خلال مناهج أُعِدٌَتْ بعناية في غاية الخبث والدهاء ..فهي تعمل على إعداد جيلاً ممسوخ الهوية مفصولاً عن دينه وتراث أمته وحضارتها وثقافتها !!
ولك أن تتأمل تلك الطامة ...
هذا الجيل هو من سيخرج إلى المجتمع ( معلماً وواعظاً , وخطيباً , وإماماً , وطبيباً , وقاضياً , وإدارياً وإعلامياً وسياسياً ووو).
أرأيت هول الفاجعة !!
كل هؤلاء سيسيحون في أوساط المجتمع بذلك الفكر الخبيث المنحرف ..فكيف يا ترى ستكون نتيجة خرابهم ؟!
الإجابة إعداد أجيالاً أشد انحرافاً .
وذلك ما تجلى بوضوح في انبراء أجيال من بني جلدتنا هم في خصومتهم وعداوتهم مع ديننا وثقافتنا أشد وأفضع من اليهود, وفي تبنيهم لأفكار الغرب أحرص من أهل الغرب أنفسهم .
وتم بذلك البلاء المحاق. والأمر لله من قبل ومن بعد !!
وفي عام 1882م قرر الإنجليز الخبثاء أن يجهزوا على ما تبقى من التعليم ورمق الثقافة فأطفؤوا المصباح الخافت أصلاً وقرروا إنهاء التعليم بشكل كلي..وذلك بإسناده إلى قسيس مبشر خبيث يُدعى ( دنلوب ) فوضع مناهج للتعليم تفصل الأمة تماماً عن دينها وحضارتها وثقافتها.
وهذا ما تجلى بوضوح من خلال ما أفرزته تلك المناهج من أجيال مبتورة عن أمتها ..تتغتى وتزهو ببعض مظاهر الحياة الأوروبية , وتعمل على نشر آدابهم وثقافتهم مستخدمين كل الوسائل لإقناع الجماهير ( الفن والأدب والمسرح الأفلام والغناء وكافة وسائل الإعلام ) والتي من خلالها يريدون إرسال رسالة للشعوب مفادها أنّ سر تقدمنا ونهضتنا يكمن في اقتفاء هذه الحضارة والإنفكاك عن ماضينا وديننا
والذي هو سبب تخلفنا بحسب قناعتهم !!
وقد رأينا وسمعنا وشاهدنا ولا نزال ...كيف يردد كثير من أولئك المجندين لخدمة هذا المشروع الخبيث ..كلاماً ينال من عقيدتنا وديننا وتراثنا ..
فيا للطامة الكبرى !!
كان أبرز من انبرى لمثل هذه المهمة وتخصص في هدم آداب الأمة وأشعارها وثقافتها والنيل منها هو الأديب ( د.طه حسين 1889م_ 1973م )
فقد بصره في الثالثة من عمره لكن والده ألحقه بالكتاب فحفظ القرآن وبعض المتون ..ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بالأزهر .
وهنا وقع في مصيدة المستشرقين فكان هدفاً لهم , فانتزعوه من الأزهر انتزاعاً ليلتحق بالجامعة المصرية كونها تدرس العلوم العصرية الحديثة حسب زعمهم , فحصل منها على درجة الدكتوراة في الأدب .
وفي عام 1914م اُبْتُعِثَ إلى فرنسا, فالتحق بجامعة السوربون وحصل منها على درجة الدكتوراة في الفلسفة.. وهناك تزوج سوزان بريسو ( كاثلوجية المنهج )وذلك بعد إلحاح شديد من قبل عمها القسيس على ضرورة قبولها بزواجه.. فتولت مهمة زوجها فكانت هي من تقرأ له وتحدد ما يقرأ وتحوطه وترعاه بعناية فائقة .
عاد إلى مصر عام 1919م فعمل المستشرقون على تلميعه وإبرازه كعميد للأدب العربي وأُتِيْحَتْ له فرص الظهور وأحاطوه بهالة إعلامية متقنة كفارس لا يبارى رغم وجود فرسان في الأدب من أقرانه يفوقونه بكثير !!
تأثر طه حسين بنظرية مرجليوث المستشرق الإنجليزي المولود ( 1858م) وهذه النظرية تُسٌَمى ب ( نظرية الشك )والتي أرسى دعائمها الفيلسوف الفرنسي ( ديكارت ) المولود عام
1596م.
الأساس التي تقوم عليه هذه النظرية هو الشك في الأشياء من حولك ثم البدء بوسائل البحث للوصول إلى الحقيقة ..
لذلك بنى مرجليوث نظريته في الأدب على الشك.. فلمَّا أنزلها على الشعر العربي في الجاهلية شكك فيه وقال : إنَّ الشعر الذي يُنْسَبُ إلى العصر الجاهلي إنما كُتِبَ في صدر الإسلام ولم يُقَلْ في العصر الجاهلي .
وللأسف الشديد .. اقتفى طه حسين آثار ذلك المستشرق الخبيث وتأثر بنظريته تلك ووقع في مصيدته .
فبدأ محاضراته لطلابه وفقاً لهذا المنهج الخبيث وألف في ذلك كتباً, وكتب بحوثاً.
فكان أبرز ما قاله عام 1926م :
"إنَّ هذا المنهج سوف يقلب العلم القديم رأساً على عقب , وأخشى إن لم يمح أكثره ..أن يمحي منه شيئاٌ كثيراٌ "
فمن حينها ظهرت مناهج في الأدب أكثر تطرفاً وجرأةً سُمٌِيت ب ( مذاهب التجديد , والجديد , والحداثة وغيرها ) وكلها تهدف للنيل من تراثنا وحضارتنا وديننا ,
وأصبح طه حسين راساً لكل ذلك العبث !!
ومع تطاول السنين والأعوام شبَّ أولئك الأطفال ( تلامذة طه حسين ) وفطمتهم معارف جديدة فاشرأبت نفوسهم للتطلع وحب الظهور فأخذوا يتنكرون لذلك الثدي الذي ارتووا منه فتجاوزوا طه حسين في الشطط والغلو في عداوتهم لديننا وثقافتنا.. فبالغوا أيٌَما مبالغة في أرائه وأضافوا إليها ..خدمة لسادتهم بغرض الوصول إلى الشهرة والمراكز المرموقة في السلطة .
وعموماً كل آراء طه حسين مدونة ومكتوبة في مكتبته .
تعرض طه حسين لحملات عنيفة من عمالقة الأدب حينها ولكنه حاول الإفلات منها بإصدار كتاباََ اسماه ( الشيخان ) يقصد بهما أبا بكر وعمر..وكتاباً آخر اسماه (على هامش السيرة ) وهذان الكتابان كما قال : (أنور الجندي ) دس فيهما من السم المميت القاتل الكثير ,
وحاول من خلالهما الإفلات من مصيدة قُرنائه لاسترضاء شريحة واسعة من المثقفين الذين خُدِعَ اكثرُهم وظنوا أنَّه قد تراجع وكفر عن آرائه القادحة في ديننا وتراثنا..
ولكن كما يقول منتقدوه لم يثبت عن طه حسين نصوص وكتابات واضحة تشير إلى تراجعه .
هكذا دعا _ وبوضح _ أنصار الحداثة والتطور لاقتفى أثر الغرب وأن ننهل من مناهلهم خدمة مجانية للإستعمار الصليبي وذلك من خلال وأد روح الدين , والتحلل الخلقي , والشطط الفكري , والتفكك الأسري , وطمس هوية الأمة وتاريخها وتراثها ...
مما هيأ الأرضية لذلك الوغد ( كمال أتاتورك ليعلن في الثالث من آذار
1924م إلغاء الخلافة الإسلامية والدعوة الصريحة إلى إقامة دولة علمانية .. فحلت الكارثة الساحقة الماحقة بالعالم الإسلامي التي لا نزال إلى اليوم نكتوي بنارها .
إنَّ أكثر ما يحز في النفس أنَّ أولئك الداعين إلى الانسلاخ من ديننا وحضارتنا والتشكيك في أشعار العرب قبيل الإسلام ...في الوقت نفسه يتعاملون مع تراث وأشعار وآداب الرومان واليونان والتي دُوٌَنت قبل الإسلام بعدة قرون ..وكأنها مسلمات ووحي مقدس نزل من السماء ويمجدونها ويعظمونها ويتشدقون بمعرفتها ودراستها فتراهم يرددون أقوال أفلاطون وأرسطوا
وسقراط وأوغسطينوس
وأشعار وملاحم (هوميروس)
ويتفاخرون بالحديث عنها .
فكيف يا هؤلاء يستقيم الظل والعود أعوج؟
تتعالون على غيركم بأنٌَ لديكم معرفة بتاريخ الصليبين وتجهلون تاريخكم وتتنكرون لدينكم وثقافتكم
وتشككون في أشعارنا التي قيلت قبيل الإسلام ..
أليس في ذلك ما يدعو إلى السخرية والعجب ؟!!
ألا يدل ذلك دلالة واضحة على أنَّ أُولئك تم إعدادهم بعناية متقنة من قبل عفاريت الإستشراق ليؤدوا مثل هذا الدور المشبوه.. والذي وصل ببعضهم أن يتطاول على القرآن الكريم وينال من رسولنا العظيم ويشكك في تراثنا ؟
أليست هذه طامة كبرى ؟
نعم .. انتصرت المسيحية الصلبيبه الحاقدة على الاسلام ....
ولكن هذا النصر لم يكن ليتحقق لهم لولا عمالة وخيانة أبناء الأمة أنفسهم .
لقد استطاع الكاتب من خلال هذه الرسالة القصيرة أن يوجز أهم وأبرز أوجاع الأمة ومآسيها التي مرت بها منذ البدايات الأولى لعصور النهضة الأوروبية وحتى نهايات القرن الماضي .
ولِلأسف لا يزال قطار العمالة والخيانة والإرتزاق ..يواصل مشواره وتبعيته العمياء للغرب حتى الساعة ..
حقاً إنه كتاب يُسْتَحقُ أن يُقْرأ ويُقْتَنى,,