آخر تحديث :
ملفات وتحقيقات

من مذكرات سالمين..هكذا اتهم  باغتيال الرئيس الغشمي  (27)

الثلاثاء - 29 مارس 2022 - 05:16 م بتوقيت عدن
من مذكرات سالمين..هكذا اتهم  باغتيال الرئيس الغشمي  (27)
(عدن الغد)خاص.

 إعداد / د. الخضر عبدالله : 

الصراعات وإلصاق التهم بين القيادة الجنوبية ما زالت مفتوحة على مصرعيها منذ السبعينيات وحتى يوم الناس هذا, وقد رأينا كيف كانت   الاغتيالات سارية المفعول لا نهاية لها في بلاد اليمن .. فحدثينا اليوم عن تفاصيل مقتل الغشمي وما صلة الرئيس " سالمين " بالاغتيال"

وتقول الروايات التاريخية أن الرئيس "سالمين" وأثناء مشاركته في مراسيم تشييع الرئيس الحمدي كانا حزينا وغاضبا جدا وتوعد حينها بالإقتصاص من القتلة، وهو الوعيد الذي استخدمه ضده خصومه للتخلص منه إلى الأبد عبر اتهامه باتيان المستفيد الفعلي والخلف للرئيس الحمدي..

تفاقم الأزمة

وعلى هذا السياق يقول الرئيس علي ناصر محمد في ذاكرة وطن :" تفاقمت الأزمة في الجبهة القومية التي أشرنا إليها في جلسة المصارحة والمكاشفة وعلاقة الرئيس سالم ربيع علي" سالمين "  ببعض دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية بعد زيارة عضو الكونغرس الأميركي فندلي. واتجه الرئيس سالمين شمالاً نحو صنعاء لاتخاذ خطوات على طريق الوحدة مع الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي اتفق معه على عدد من الخطوات الوحدوية المزمع إعلانها عند زيارته عدن. وكان من شأن ذلك أن ينتقل اليمن شمالاً وجنوباً من الصراع الداخلي إلى الهدف الأكبر بإعلان تحقيق الوحدة، لكنّ القوى المعادية لأيِّ تقارب بين النظامين اغتالت الحمدي ومشروعه الوطني عشية زيارته عدن عام 1978م، وتسلّم السلطة في صنعاء المقدَّم أحمد حسين الغشمي الذي اغتيل أيضاً بحقيبة مفخخة أُرسلت مع مبعوث شخصي من عدن بعد ثمانية أشهر فقط!

الأنقاض على الرئيس سالمين

ويقول مراقبون عن هذه القضية :" كان الرئيس سالم ربيع قوي الشخصية قادرا على التواصل وهكذا لجأ منافسوه أو أعداؤه إلى الحيل السوفييتية للانقضاض عليه وإقالته وإعدامه، وقد اتخذوا نقطة صفر لهذا الانقلاب كانت في غاية الإثارة، وهي اغتيال الرئيس اليمني (الشمالي) أحمد حسن الغشمي، وما إن أذاعت إذاعة صنعاء خبر اغتيال رئيسها إلا رفعت القوات اليمنية الجنوبية درجة استعدادها لأقصى درجة، مستجيبة لما صدر عن الجامعة العربية من اتهام للرئيس سالمين وسلطته بالمسئولية عن مصرع رئيس اليمن"

مقتل الغشمي 

ويذكر  الرئيس ناصر في مذكراته  حيث يقول :" يأتي حادث مقتل الرئيس أحمد الغشمي، رئيس الجمهورية العربية اليمنية في 24 حزيران/ يونيو 1978م، في إطار الصراعات والتآمرات التي كانت تدور بين صنعاء وعدن من جهة، وفي إطار الصراعات التي كانت تدور بين العناصر القياديين في كل نظام على حدة. كان الرئيس الغشمي أحد المتهمين باغتيال سلفه الرئيس الحمدي، وهو ما كانت تعرفه القيادة في عدن، لذا حاول بعض عناصر تلك القيادة الاستفادة من هذا الوضع بالضغط الشديد على الغشمي، كتنفيذ بعض القرارات الخطيرة للتغاضي عن فعلته. وهكذا تمكن صالح مصلح من إقناع الغشمي بتصفية كبار المشايخ والتجار والإقطاعيين في أول اجتماع لمجلس الشعب التأسيسي، وذلك بنسف مكان اجتماعهم أثناء انعقاده، وحصل ذلك الإقناع أثناء لقائه الرئيس الغشمي في قصره في (وادي ظهر)، حيث جلس الاثنان لأكثر من تسع ساعات لمناقشة الأوضاع في اليمن ومستقبلها بعد مقتل الرئيس الحمدي، وتمكن صالح مصلح من إقناع الغشمي بأنّ اليمن لن يستقرّ إلا بتصفية أعداء النظام في صنعاء وفي عدن، وقد وافق الغشمي على ذلك.

ويضيف الرئيس ناصر :" وروى لي صالح مصلح أنه كان جالساً ومخزناً وبجانبه الرئيس الذي كان قد توقف عن تعاطي القات. وكان مصلح قد امتنع عن الذهاب إلى الحمام حتى لا يغيب عن المجلس، نظراً لطول جلوسه، وظلّ متكئاً مدة طويلة خشية أن يضع الغشمي له السُّم في الماء والقات، وفي الوقت نفسه لم يغادر الرئيس مكانه، حتى لا يحدث شيء عند خروجه. وحكى لي صالح مصلح أنه كان يحرك رجله اليمنى بعد أن تنملت، والتفت الغشمي إلى ساقه خوفاً من أي حركة لاحقة. وقد أوفى الرئيس الغشمي بوعده بتصفية بعض عناصر معارضة النظام في الجنوب في المكان ذاته الذي قتل فيه الحمدي ، لكنه بدأ يماطل في ما يتعلق بتصفية أعضاء مجلس الشعب التأسيسي، ولهذا لجأ صالح مصلح إلى أسلوب آخر بإرسال الحاج تفاريش والحقيبة المفخخة. وحاول إقناع "الرئيس" بأنّ اغتيال "الغشمي" سيهيئ فرصة مناسبة لاستيلاء القوى الوطنية في الشمال على السلطة بالتعاون مع جيش الجنوب، ما يهيئ مناخاً مناسباً للوحدة اليمنية، مؤكداً له أنّ قطاعات في جيش الشمال من قوات العمالقة ، مؤيدة للجنوب ستتحرك للزحف على صنعاء لإتمام هذه العملية ما إن يقتل الرئيس الغشمي.

رسالة "الحاج تفاريش " 

ويستدرك الرئيس ناصر وقال :" وهكذا نفّذ وزير الداخلية صالح مصلح تعليمات الرئيس سالمين، بإرسال الحقيبة المتفجرة إلى صنعاء، التي أودت بحياة "الرئيس الغشمي" وأرسلت الحقيبة مع "الحاج تفاريش" الذي كان لا يبالي بالموت ولا يهتم بالحياة، وخصوصاً أنه سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وسيصبح بطلاً وطنياً ووحدوياً يحقق الوحدة، كما أقنعه بذلك صالح مصلح. ولكنه أيضاً كان مؤمناً بها، كما جاء في رسالة الحاج تفاريش إلى صالح مصلح:الرفيق صالح مصلح المحترم، تحية رفاقية... وأنا أودّعكم متجهاً إلى صنعاء لأقوم بواجب وطني يخدم الثورة اليمنية ووحدة الشعب اليمني... فإذا كُتب لي النجاح، فأنا سعيد الحظ.

أرجو أن تعتبروا هذا مني مساهمة متواضعة أقدمها مشاركة في التحضير والإعداد لحزبنا الطليعي من طراز جديد الذي أعتبره أنا شخصياً صمام أمان الثورة وضماناً أكيداً لاستمرارها لتسير في الطريق لتحقيق ما تبقى لها من الأهداف، وأحب هنا أن أعدكم بأنني سأذهب بشوق كبير للموت في سبيل الحرية والوحدة، أكثر من شوقي للحياة في ظل التجزئة القائمة، وفي ظل الإذلال الذي يعاني منه الشعب اليمني، في ظل التدخل الرجعي السعودي. ودمتم للثورة…( أخوكم: مهدي أحمد صالح) وهكذا كانت رسالة " الحاج تفاريش " .

موت الغشمي

ويسترسل الرئيس ناصر في حديثه قائلاً :" وأظنّ أنّ الضغط النفسي الهائل الذي كان يعانيه الرئيس ربيع " سالمين " ، المتمثل بتلك الظروف التي نشأت ضده، وما شكّلته علاقته بالسعودية وواشنطن المشار إليها سابقاً من عبء نفسي نتيجة المزايدات عليه، جعله ينجرف وراء نصيحة وزير الداخلية. ولذلك، بدا جاهزاً للفكرة والقبول بها، واجداً فيها المخرج للأزمة ولتحقيق الوحدة، معتقداً أنه بذلك "سيضرب عصفورين بحجر واحد": الأول، التخلص من الرئيس "الغشمي"... مع احتمال أن يجري التحرك للاستيلاء على السلطة في صنعاء من قبل مناصريهما  وبدعم من الجنوب، كما أكد لي ذلك صالح مصلح فيما بعد بنفسه. والعصفور الثاني: الخروج من الأزمة وقيام الوحدة اليمنية".

ويضيف :" اغتالت القوى المعادية لوحدة اليمن الرئيس إبراهيم الحمدي عشية زيارته المأمولة لعدن في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1977م، في محاولة لعرقلة مشروعه الوحدوي الذي بدأه في قعطبة مع الرئيس سالم ربيع علي... ولتحقيق هدفه، سعى إلى خلق أجواء الثقة بينه وبين الرئيس الغشمي، وأخذ يرسل إليه رسائل ومبعوثين شخصيين حتى يقوّي أواصر الثقة والعلاقة ويجعل الآخر يطمئن إليه وإلى مقاصده. وتحت مظلة تلك العلاقة، أرسل إليه "مبعوث الموت" الذي استقبله الرئيس الغشمي في 24 حزيران/ يونيو، باعتباره مبعوثاً شخصياً للرئيس ربيع الذي سبق أن اتصل به، طالباً منه أن يستقبله لحظة وصوله، والذي كان يحمل له رسالة مهمة ومستعجلة تهمّه شخصياً، ولم يكن يعرف أنه يحمل "حقيبة الموت" التي ما إن فتحها حتى انفجرت، وكانت فيها نهايتهما. فالغشمي أُصيب بالصدمة والاختناق وبعض الحروق في وجهه، والحاج تفارش طار نصفه الأعلى إلى خارج المكتب عبر إحدى النوافذ. وحدث الانفجار بعد أن طلب الرئيس الغشمي مغادرة كل من عبد الله حمران ومحمد خميس وعلي الشاطر من أعضاء القيادة ليبقى وحده مع المبعوث، وعندما سمع الانفجار قال عبد الله حمران، الذي كان لفترة طويلة مبعوث الشمال لشؤون الوحدة: لقد قتلوه! فقد شكّ في أمر مبعوث ربيع الذي لم يشاهده في أيّ لقاء سابق. أما مدير مكتبه، محمد الأنسي، فقد قال بعدما شاهده: شكله ملغّم! وكان هؤلاء هم من استقبلوه في المطار، وأوصلوه إلى الرئيس الغشمي الذي كان متلهفاً لاستقباله، وكان الرئيس سالم ربيع علي قد أبلغه بأن هذا المبعوث خاص جداً، وليس من المبعوثين الذين نرسلهم إليكم حفاظاً على سرية الرسالة المهمة التي سينقلها إليكم، ولهذا وجب استقباله في أسرع وقت. ولكنّ أحداً ممّن استقبله لم يتخذ تدابير احترازية لحماية الرئيس الغشمي، بالرغم من الشكوك التي ساورتهم نحو المبعوث الخاص، حامل حقيبة الموت! ( للحديث بقية  ) !!