تشهد محافظة حضرموت تحولات سياسية واجتماعية غير مسبوقة منذ انعقاد اللقاء الموسع الذي دعا إليه حلف قبائل حضرموت بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش يوم السبت 12 أبريل 2025. هذا اللقاء الذي طالب المشاركون فيه بالحكم الذاتي، فتح بابًا واسعًا للتساؤلات حول مستقبل الجنوب اليمني ووحدة أراضيه، وإمكانية امتداد مثل هذه التحركات إلى محافظات أخرى تعاني من الغبن والتهميش.
ما حدث في حضرموت لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج لتراكمات سياسية واجتماعية واقتصادية عديدة، يشعر معها أبناء المحافظة بالإقصاء والظلم في توزيع الثروات والسلطة. ومع طرح مطلب "الحكم الذاتي"، بدأت أصوات أخرى في محافظات مثل المهرة وأبين تلوح بمطالب مشابهة، الأمر الذي ينذر بتداعيات واسعة النطاق.
محافظة المهرة، التي عانت طويلًا من غياب التنمية والتجاهل السياسي، قد تكون التالية على الطريق، حيث بدأت بعض الأصوات المحلية فيها تلوح برغبة مشابهة في الحكم الذاتي كوسيلة لتحقيق العدالة والتنمية. أما في أبين، التي شهدت تهميشًا حادًا خلال السنوات الماضية، فيبدو أن الغضب الشعبي بدأ يتبلور سياسيًا، وقد يجد في نموذج حضرموت مثالًا يُحتذى به.
المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطمح لتمثيل مصالح الجنوب سياسيًا، يواجه حاليًا تحديًا كبيرًا في استيعاب هذه الأصوات. السؤال الأبرز هو: هل سيكون الصدام خيارًا مطروحًا لديه للسيطرة على هذه المطالب، أم أن الحوار السياسي هو الخيار الأمثل لإعادة ترتيب الأوراق الجنوبية على أساس عادل ومتوازن؟
وتبرز التساؤلات أيضًا حول الدوافع وراء هذه التحركات: هل هي مطالب شعبية مشروعة ناتجة عن سنوات من الغبن، أم أن هناك أطرافًا خارجية تدعم هذه التوجهات، بهدف خلق واقع جديد في الجنوب؟
وفي هذا الإطار، تثار الشكوك حول إمكانية تورط أطراف سياسية يمنية كحزب الإصلاح أو جماعة الحوثيين في تغذية هذا الصراع. بعض المحللين يرى أن من مصلحة الحوثيين إبقاء الجنوب في حالة من التوتر والانقسام، مما يضعف جبهة الشرعية ويشتت جهودها في استعادة الدولة من قبضتهم. كما يتحدث آخرون عن أن حزب الإصلاح ربما يجد في تصاعد هذه المطالب فرصة لإعادة التموضع سياسيًا والعودة بقوة إلى المشهد، مستفيدًا من أي انقسامات قد تحدث.
محللون سياسيون يحذرون من أن استمرار هذه التوجهات قد يهدد بشكل حقيقي وحدة الجنوب، ويفتح الباب أمام مشاريع "الكانتونات" التي قد تحول الجنوب إلى دويلات صغيرة متصارعة، مما يعيد إلى الأذهان الصورة القديمة لجنوب اليمن قبل ثورة 14 أكتوبر.
ويرى آخرون أن استمرار غياب الحوار الجنوبي - الجنوبي الحقيقي قد يشعل فتيل أزمات سياسية خطيرة، يكون فيها الجميع خاسرًا، خاصة مع إمكانية تدخل أطراف إقليمية ودولية، قد تجد في هذه الخلافات فرصة لتحقيق مصالحها الخاصة.
في المقابل، هناك أصوات تدعو بوضوح إلى ضرورة فتح حوار جاد بين جميع المكونات الجنوبية على قاعدة احترام خصوصية كل منطقة، وإعادة توزيع السلطة والثروة بشكل عادل ومتوازن. ويدعو هؤلاء إلى أن يكون ما حدث في حضرموت جرس إنذار يحتم على السلطات في عدن والقوى السياسية المختلفة اتخاذ خطوات عاجلة لإصلاح الأوضاع وامتصاص الغضب الشعبي.
على المستوى الدولي، يبدو واضحًا أن القوى الإقليمية كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تتابع هذه التطورات باهتمام بالغ. وبينما لم تصدر مواقف رسمية واضحة من هذه الدول حتى الآن، يرى مراقبون أن استمرار التوترات قد يدفعها إلى التدخل لضمان مصالحها، خصوصًا في المناطق الحيوية اقتصاديًا مثل حضرموت والمهرة.
إن المرحلة الحالية تمثل اختبارًا حقيقيًا لكل القوى السياسية والاجتماعية في الجنوب. فإما أن تقود هذه التحركات إلى إعادة ترتيب البيت الجنوبي بشكل عادل يضمن حقوق الجميع، أو أن تفتح الباب أمام سيناريوهات الانقسام والتجزئة التي ستكلف الجنوب الكثير سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
إن الحوار الجنوبي – الجنوبي الحقيقي والجاد هو السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق، وإلا فإن فاتورة الانقسام ستكون باهظة، وسيدفع ثمنها الجميع دون استثناء. واللحظة الحالية تتطلب مسؤولية عالية وحكمة سياسية بعيدًا عن المصالح الضيقة والحسابات الشخصية. في ظل ما يشهده الجنوب اليمني من تحولات سياسية واجتماعية غير مسبوقة، أثار لقاء حضرموت الموسع الذي دعا إليه حلف قبائل حضرموت بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش، الذي انعقد يوم السبت 12 أبريل 2025، موجةً كبيرة من النقاش والجدل السياسي على مستوى المحافظة ومحيطها. فقد خرج اللقاء بمطالب واضحة لمنح حضرموت الحكم الذاتي، مطالبات وصفها المشاركون بأنها "أدنى استحقاق" لأبناء المحافظة، فيما اعتبرها البعض خطوةً لتأمين الحقوق المحلية في ظل شعور متزايد بالتهميش والظلم في توزيع الثروات والسلطة.
خلفية اللقاء والتحولات في حضرموت
لم تكن هذه الدعوة لمطالب الحكم الذاتي وليدة الصدفة؛ فهي نتيجة تراكمات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة، ألمّت بمكونات حضرموت على مدى سنوات طويلة. ففي سياقٍ شهد فيه أهل حضرموت شبه إجماع على أن الحكومة المركزية تتركهم بلا صوت حقيقي في إدارة شؤونهم، بدأوا يبحثون عن حلول بديلة تمكنهم من استعادة السيطرة على مواردهم وتحقيق التنمية المستدامة. وفي هذا السياق، تمثل الاجتماع الموسع الذي انعقد على هضبة حضرموت، حدثًا استثنائيًا عرضت فيه القيادات والناشطون مطالبهم، مؤكدين أن القرار بيد أبناء المحافظة وحدهم.
وأوضح الشيخ عمرو بن حبريش خلال اللقاء أن هذه المطالب ليست محاولة لفرض انفصال جغرافي بقدر ما هي سعي لاستعادة الوحدة الحقيقية والشراكة بين أبناء الجنوب على أساس متساوٍ. وفي بيانه الختامي، أكد أن حضرموت لن تقبل العودة لأي وصاية أو هيمنة خارجية، وأنها تسعى لإدارة شؤونها بأنفسها ضمن إطار دولة اتحادية تحترم خصوصيات كل محافظة.
ردود الفعل السياسية المتباينة
ولم يمر اللقاء دون أن يثير ردود فعل سياسية واسعة من مختلف الأطياف. فقد شهدت تصريحات السياسيين والجهات الرسمية وممثلي الأحزاب والمدارس الفكرية تبايناً في مواقفها، مما يعكس التوتر القائم في المشهد الوطني. ففي أحد المؤتمرات الصحفية التي عقدت عقب اللقاء، أكد اللواء فرج البحسني – محافظ حضرموت السابق – أن أبناء حضرموت هم درعها الحصين وسندها الثابت، داعياً إلى ضرورة الحفاظ على وحدة الصف ومواجهة أي محاولات لتفتيت النسيج الاجتماعي في المحافظة. وأوضح البحسني أن "الاستمرار في تجاهل المطالب المحلية سيؤدي في نهاية المطاف إلى خلق فجوة سياسية واجتماعية يصعب سدها، ويفتح الباب أمام محاولات انقسام قد لا تُستعاد بعدها الوحدة الوطنية بسهولة."
من جهة أخرى، رحّبت أمانة حزب الإصلاح في حضرموت بالحشد الجماهيري الذي شهدته الفعالية، ووصفت اللقاء بأنه انتصار للإرادة الحضرمية، حيث أشارت إلى ضرورة استجابة الدولة لمطالب الجنوب ضمن إطار سيادة وطنية متكاملة. وقد دعت الأمانة إلى فتح حوار جاد مع كافة الأطراف لتسوية المظالم وإعادة ترتيب أوراق الحكم بما يضمن توزيعًا عادلًا للسلطة والثروة بين مختلف المحافظات الجنوبية.
وفي المقابل، عبّر مكون "شباب الغضب بوادي وصحراء حضرموت" عن رفضه لما وصفه بمحاولات اختزال حضرموت في إطار مكوّن قبلي ضيق. وأشار أحد قادة هذا المكون في تصريح له بأن "ما نراه الآن هو التفاف على تطلعات الشباب الذين تعبوا من سياسات التهميش والظلم، وأنهم يطالبون بالتحرر من قيود النظام الذي طالما أسقطهم في هوة من الإهمال." وأضاف أن مثل هذه التحركات لا تمثل تهديدًا للوحدة الوطنية بقدر ما هي انعكاس لنداء الشعب الذي طال انتظاره من أجل تغيير جذري في طريقة إدارة الدولة لمناطقها الجنوبية.
تداعيات هذه التحركات على باقي المحافظات الجنوبية
يشير العديد من المراقبين إلى أن التجربة التي بدأتها حضرموت بطرحها لمطلب الحكم الذاتي قد تكون بمثابة فتيل يُشعل حراكاً مشابهًا في محافظات أخرى. ففي محافظة المهرة، التي عانت طويلاً من غياب التنمية والتجاهل السياسي، بدأت بعض الأصوات المحلية للتعبير عن رغبتها في اتباع نموذج حضرموت. ويعتقد محللون سياسيون أن هذا النموذج قد يشكل بداية لسلسلة من التحركات التي تنتقل من محافظة إلى أخرى، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتردية والتهميش السياسي الذي يعاني منه الجنوب.
وفي محافظة أبين، التي سجلت تهميشًا حادًا خلال السنوات الماضية، يبدو أن الغضب الشعبي بدأ يتبلور سياسيًا، وقد يجد في نموذج حضرموت سبيلًا للخروج من الدوامة الحالية. يرى بعض المحللين أن الباب أمام مطالب الحكم الذاتي يُفتح تدريجياً في مختلف مناطق الجنوب، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة رسم الخريطة السياسية للجنوب اليمني – من الجنوب الكبير الموحد إلى جنوب مقسم إلى وحدات سياسية مستقلة أو "كنتونات" جغرافية متناهرة، كما كانت الصورة التي رافقت جنوب اليمن قبل ثورة 14 أكتوبر.
دوافع التحركات: مطالب شعبية أم تدخلات خارجية؟
يشغل التساؤل حول دوافع هذه التحركات بالصدفة محل النقاش، إذ يرى بعض المحللين أن ما يحدث في حضرموت هو نتاج لمطالب شعبية مشروعة، نابعة من سنوات من الغبن والإقصاء. وفي هذا السياق، يرى هؤلاء أن الدعوة للحكم الذاتي تمثل رد فعل طبيعي على سياسة اللامبالاة التي مارستها الحكومة المركزية تجاه المناطق الجنوبية.
ومع ذلك، هناك أيضًا أصواتٌ تتساءل ما إذا كانت هذه التحركات مدعومة من أطراف خارجية تسعى إلى خلق واقع جديد في الجنوب يقسمه ويُضعف جبهته الوطنية. وتشير تقارير إلى أن بعض القوى الإقليمية تتابع بقلق التطورات في حضرموت، وقد تجد في استمرار التوترات فرصة للتدخل سياسيًا أو اقتصاديًا لضمان مصالحها. كما ينظر بعض المحللين إلى احتمالية تورط أطراف محلية مثل حزب الإصلاح والحوثيين في تأجيج الأوضاع، حيث قد تستفيد هذه الأطراف من حالة الاضطراب في الجنوب لتحقيق أهدافها السياسية.
سؤال حول آلية استيعاب الأصوات الخارجية
من التحديات الكبرى التي تواجه القادة السياسيين في الجنوب هي كيفية استيعاب الأصوات المختلفة، سواء كانت مطالب شعبية صادقة أم تحركات سياسية مدعومة من جهات خارجية. ففي ظل غياب الحوار الجنوبي الحقيقي وتجاهل المطالب بسرعة، يبرز السؤال: هل سيكون الصدام خيارًا مطروحًا للسيطرة على هذه الأصوات والحد منها، أم أن الحوار السياسي هو السبيل الأنسب لإعادة ترتيب الأوراق الجنوبية على أساس عادل ومتوازن؟
يرى بعض الخبراء أنه في حالة تمرد القوى المحلية وتزايد الانقسامات، قد يلجأ بعض القادة إلى استخدام الصدام كوسيلة لكبح الطموحات الخارجة عن نطاق النظام، لكن هذا الخيار يحمل مخاطر جسيمة على وحدة البلاد واستقرارها. وفي المقابل، يُعد الحوار الشامل والجاد مع كافة الأطراف المحلية المتأثرة هو السبيل الأمثل لمعالجة المظالم، مع ضرورة وضع آليات للمصالحة وتوزيع السلطة بشكل عادل لضمان مشاركة جميع القوى في اتخاذ القرار.
توقعات وآفاق مستقبلية
يتناقص الوقت، وفي ظل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والامن سياسية المتأزمة، يبدو أن الجنوب اليمني يقف أمام مفترق طرق حاسم: إما أن يقود التيار نحو وحدة وطنية حقيقية تُعيد تنظيم السلطة والثروة على أسس سيادية عادلة، أو أن ينقسم تدريجيًا إلى كيانات سياسيّة صغيرة تُشكل تحديًا للوحدة الوطنية.
هناك من يرى أن النجاح في تحقيق الحكم الذاتي في حضرموت قد يكون بمثابة نموذج يُحتذى به في محافظات مثل المهرة وأبين، مما قد يدفع لتكرار مثل هذه التجربة في أماكن أخرى. لكن آخرين يحذرون من أن هذه العملية قد تنتهي بخلق واقع جديد للتقسيم والانقسام، خاصة إذا ما تم دعمها من جهات خارجية تسعى لإضعاف جبهة اليمن الشرعية.
وفي الأفق البعيد، يُطرح تساؤل حول الدور الذي ستلعبه القوى الإقليمية والدولية في ضبط مشهد الجنوب؛ فبينما تتطلع بعض الدول لتثبيت مصالحها من خلال دعم قنوات الحوار والتقارب، قد تجد دول أخرى في استمرار الانقسام فرصة لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية عبر زعزعة استقرار الجنوب اليمني.
قبل فوات الاوان
إن المرحلة الراهنة في جنوب اليمن تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة القيادات السياسية على تجاوز الخلافات وإعادة صياغة مستقبل مشترك يضمن وحدة الأرض واستقرار المواطنين. فالمطالب بالحكم الذاتي، التي ظهرت بقوة في حضرموت، لا ينبغي أن تُعتبر مجرد صوت احتجاج شعبي، بل هي دعوة ملحة للمطالبة بحقوق المناطق في إدارة شؤونها الخاصة بشكل يحمي مصالحها التاريخية والاقتصادية والثقافية.
يبقى خيار الحوار السياسي الشامل هو السبيل الوحيد للخروج من أزمات الانقسام وتفتيت الوحدة الوطنية، في حين أن اللجوء إلى الصدام لن يؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى والتشتت، مما سيكلف البلاد الكثير من التضحيات. ولا بد أن يستوعب القادة السياسيون في الجنوب هذه الأصوات، سواء كانت نابعة من تهميش طويل الأمد أو مدعومة من أطراف خارجية، والعمل جاهدين على وضع آليات فعالة لضمان توزيع السلطة والثروة بما يحقق العدالة والتنمية المستدامة.
إن مستقبل الجنوب اليمني على المحك، بين مشروع الوحدة الكبير وخيارات التقسيم الصغيرة، ويتوقف الأمر على مدى قدرة الأطراف المحلية والإقليمية على الخروج من دائرة الخلافات وإطلاق مسار حوار وطني يضمن للمواطنين الحرية والكرامة واستقلال الدولة. وفي هذه اللحظة الحاسمة، ينادي جميع أبناء الجنوب بضرورة تضامنهم حول الهوية الوطنية المشتركة، وإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع، حتى يصبحوا قادرين على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية دون مزيد من التشتت والانقسام.