تُمثِّل البُغد (الملاجئ المحصنة) التي أقامها رجال آل سعيد (يافع) في جبال حَطَّاط ووديانها صروحًا تاريخيةً شاهدةً على ملحمة الصمود في وجه الحملات العسكرية البريطانية. فمع تصاعد وتيرة القصف الجوي البريطاني على المنطقة، برزت عبقرية الأهالي في تحويل التضاريس الوعرة إلى حصون منيعة؛ حيث شيّد الثوار شبكةً من الملاجئ تحت صخور الجبال باستخدام مواد بناء محلية، لتصبح ملاذًا أمنًا للسكان من ويلات الحرب.
وتبرز "بغدة الشيخ حسين عاطف النمري السعيدي اليافعي"، الواقعة في أسفل وادي شَبِيهة، كإحدى أبرز هذه المنشآت الإستراتيجية التي حافظت على هيئتها حتى اليوم. فبمهارة هندسية فائقة، صُمِّمت هذه البغدة لتتلاءم مع طبيعة المنطقة الجبلية، مُتَّكئةً على صخور الجبال لتوفير حمايةٍ طبيعيةٍ من القنابل، مع تزويدها بمنافذ تهويةٍ ومخارجَ سريةٍ تعكس ذكاءً عسكريًا متقدًا.
هذه الصروح الأثرية ليست مجرد هياكل حجرية، بل شواهد حية تتحدث عن مرحلة مفصلية من تاريخ قبيلة (آل سعيد) خاصة، وتاريخ يافع عامة، حين حُوصرت وقُصفت لسنوات، إلا أن إرادة أبنائها حوّلت الجبال إلى قلعةٍ يصعب اختراقها. وما تزال "بغدة حسين عاطف النمري السعيدي" وغيرها من الملاجئ المنتشرة في حَطَّاط تُلهم الأجيال بقصة تحدّي القوة الاستعمارية، وتؤكد أن إبداع الأجداد في البناء كان سلاحًا موازيًا للكفاح المسلح.
*"آثارنا تروي تاريخنا: حجرٌ فوق حجر، وإرثٌ يُخلَّد انتصار إنسان الأرض على أعتى الإمبراطوريات".*
✍🏼: د. عادل نصر النمري.