آخر تحديث :السبت-26 أبريل 2025-02:01ص
مجتمع مدني

الدكتور عبدالحكيم باقيس: نموذج أكاديمي في زمن التحديات

الجمعة - 25 أبريل 2025 - 03:51 م بتوقيت عدن
الدكتور عبدالحكيم باقيس: نموذج أكاديمي في زمن التحديات
(عدن الغد) خاص:


د. حافظ قاسم القطيبي


في زمنٍ تتراجع فيه قيم النزاهة والكفاءة في الحقل الأكاديمي، يبرز الدكتور عبدالحكيم محمد صالح باقيس كأحد الوجوه المشرقة في جامعة عدن، ومن أبرز الأصوات الفكرية والأدبية في بلادنا. ولا يختلف اثنان على نزاهته واستقامته، ولا على إخلاصه للعلم، وانحيازه الجاد للثقافة بوصفها قيمة راسخة ورافعة أساسية للمجتمع.


لقد مثّل الدكتور باقيس جامعة عدن تمثيلًا مشرفًا على المستويات العربية، من خلال كتاباته، ومشاركاته في الندوات والملتقيات العلمية والثقافية، ناقلًا عنها صورة حضارية مشرقة في وقتٍ تشهد فيه الجامعات اليمنية تصدّعًا بفعل الأزمات المتلاحقة والممارسات الخاطئة التي نخرت البنية الأكاديمية.


يُعدّ الدكتور باقيس من أبرز المشتغلين بالأدب السردي في اليمن، وله إسهامات معتبرة في تأريخ ودراسة الرواية اليمنية، ومن أبرز مؤلفاته في هذا المجال كتاب: ثمانون عامًا من الرواية في اليمن، وهي دراسة رائدة تناولت تحولات الخطاب الروائي بعمق منهجي وحس نقدي رفيع. وله كذلك كتاب دراسات في الرواية الواقعية، بالإضافة إلى كتب أخرى شارك في تأليفها مع باحثين آخرين، فضلًا عن مشاركات بحثية ونقدية رصينة منشورة في عدد من المجلات اليمنية والعربية المرموقة.


تدرّج الدكتور باقيس في عدد من المواقع الأكاديمية بجامعة عدن، من رئيس قسم علمي، إلى نائب عميد كلية الآداب للشؤون الأكاديمية، ثم مدير لمركز الظفاري للدراسات والبحوث. وقد مثّل في كل موقعٍ شغلَه نموذجًا في الجدية والمثابرة رغم شُحّ الإمكانيات، فقد أعاد إلى مركز الظفاري للبحوث شيئًا من ألقه، رغم غياب الدعم المؤسسي الذي يُفترض أن يتوافر لأي مشروع علمي جاد.


تولّى كذلك رئاسة تحرير مجلتين علميتين محكّمتين: أبحاث اليمن والتواصل، وشارك في العديد من اللجان العلمية في جامعة عدن، منها لجان التطوير الأكاديمي، والمناهج، والتأليف والترجمة.


ولم تقتصر إسهاماته على الجانب الأكاديمي البحت، بل امتدّ حضوره إلى الحقل الثقافي العام، إذ شارك في لجان تحكيم عدد من الجوائز الأدبية، مثل: جائزة مؤسسة السعيد، وجائزة رئيس الجمهورية للقصة القصيرة، وجائزة جامعة عدن للبحث العلمي قبل توقفها، وجائزة محمد عبدالولي للرواية، وجائزة "حزاوي" للسرد.


ومن أبرز مبادراته الثقافية تأسيس نادي السرد في عدن عام 2015، بالتعاون مع عدد من المهتمين. وهي مبادرة طموحة سعى من خلالها إلى استعادة عدن لمكانتها الثقافية والإبداعية، وإيجاد فضاء يتيح للكُتاب الشباب التفاعل النقدي وممارسة الكتابة العابرة للأنواع. غير أن هذا المشروع، كسواه من المبادرات الثقافية الخلاقة، لم يحظَ بالدعم الرسمي، فظل حبيس الجهود الفردية، يصارع من أجل البقاء في ظل واقع معيشي خانق، ومؤسسات رسمية مغيّبة عن دورها التنموي والثقافي.


وخلاصة القول: يشكّل الدكتور عبدالحكيم باقيس، مع قلة قليلة من نظرائه، أحد النماذج المضيئة في المشهد الأكاديمي والثقافي اليمني؛ فقد جمع بين النزاهة الفكرية، والوفاء للمؤسسة الجامعية، والالتزام بقضايا الثقافة والمجتمع. إنه شخصية تستحق الاحتفاء والتقدير، لا التهميش أو التجاهل، خاصة في هذا المنعطف التاريخي الحرج الذي تمر به الجامعة والبلاد عمومًا، إذ نحن في أمسّ الحاجة إلى نماذج تنويرية حقيقية تضيء الطريق، وتؤكد أن المعرفة ما تزال ممكنة، وأن الإخلاص للعلم ليس ادعاءً ظاهريًا أو شعارًا يُرفع، بل ممارسة عملية وركيزة لا غنى عنها لإنقاذ ما تبقى من معنى للمؤسسة الجامعية، وللمستقبل ذاته.