آخر تحديث :السبت-19 أبريل 2025-12:39م

رواية اليهودي الحالي لعلي المقري

السبت - 17 فبراير 2024 - الساعة 09:56 ص
سعد العجمي

بقلم: سعد العجمي
- ارشيف الكاتب


قبل قليل أغلقت آخر صفحة منها قرأت هذه الرواية لمرتين الأولى كانت في عام 2020م والثانية الآن وأودّ أن أقرأها للمرة الثالثة والرابعة إلى ما لا نهاية فهي من الروايات القليلة الرائعة من كتبة الروايات اليمنيين تحتوي الرواية على معالجة دقيقة وفنية لمتناقضات الأديان والمذاهب والأحقاد الناتجة عن تمايز الخطاب الديني.
لاحظت في هذه الرواية للمقري أسلوب مختلف عن رواياته الأخرى في هذه الرواية شيئا ما يشبه الإطلالة من عالم آخر على الذات اليمنية التي اختزلت عبر تاريخها أشكال متعددة وألوان مختلفة من الصراعات والتباينات البينية القائمة أحيانا على منطق الدين واحيانا على منطق القبيلة واحيانا على منطق المذهب في ظل دين واحد، وفي هذه الرواية بالخصوص كانت الصورة البانورامية الكبرى للتباينات الدينية التي اكتوى بنارها اليمنيين عبر تاريخهم وبالتحديد في القرن السابع عشر، تقدم هذه الرواية رحلة سالم اليهودي التائه وفاطمة المسلمة التي ترى العالم بعيون مختلفة وغريبة لاهل ريدة واليمن عموما بل أن منطق قرية ريدة يعتبر عقلية سالم اليهودي وفاطمة المسلمة خارج عن المألوف وبعيدا عن المعروف،
بالإمكان اعتبار رواية اليهودي الحالي حكاية أخرى لليمن المعاصر بدون اليهود لكن بشكله السابق حينما كان اليهود موجودين فاليوم هناك مأساة يعيشها اليمن بشطريه وحروب وصلت إلى كل بيت بسبب الاستلهام الخاطئ للخطاب الديني والفهم الاعوج للدين فالاصل أن الإسلام دين السلام والمحبة والتعايش إلا أنه بفعل عوامل كثيرة وتراكمات تراثوية عديدة شكلت منطق معادٍ ومخرب، كذلك حالة النوام الطويلة التي غشيت الحياة الثقافية والدينية ساهمت في بقاء العقل الجمعي هائج دونما توقف مكللا بالأحقاد الدينية وقد أكل نفسه حينما لم يجد ما يأكله،
نفس الحال يعيشه اليهود اليوم عقلية الانتقام والشهية اللامحدودة للقضاء على الاخر التي يقولها أخو سالم اليهودي الحالي " سأنتقم من جميع المسلمين حتى الذين لم يفعلوا بي شيئا يكفي أنهم صمتوا، سأسقط الأجنة قبل أن يولدوا وإذا حدث لن ادعهم يعيشوا ليصبحوا أقوياء، هم أعداء قبل أن يولدوا قبل أن يتكونوا حتى" شعوره هذا بسبب الظلم الذي تعرض له من قبل الآخر المختلف معهم،
الا ان هذا التفكير بات ظاهرا لدى الطبقة السياسية الإسرائيلية التي يأتي أغلبها عبر قنوات دينية ويتعلم الدين ويجب أن يتملئ بالاحقاد الدينية كي يكون مؤهلا لخدمة إسرائيل واليوم ما يفعله الإسرائيلي في غزة وعموم فلسطين هو نتيجة وخيمة للنظرة الدينية التي تنطلق من منطلقات حقد وكراهية وإلغاء الآخر من الوجود.
رواية اليهودي الحالي من الروايات الرائعة التي خطها قلم الأديب اليمني المبدع علي المقري فهي فسحة تاريخية وقصة أدبية وحكاية للحب الذي يمكن أن يتجاوز كل حدود ومنطق، كذلك توثيق لمرحلة مهمة من تاريخ الصراع الأبدي بين اليهودية والإسلامية والمستمر حتى يوم الناس هذا.