أمس شاهدت برنامج "الاتجاه المعاكس" المثير للجدل وكان موضوع النقاش البيزنطي هو ثوراث الربيع وعواقبها ونتائجها المؤلمة في أقطار عربية الا تونس الخضراء..
كانت حلقة ساخنة جدا وهادفة ومهمة وهي تأتي في سياق النقاش العربي العام حول المآلات العامة والتحولات التاريخية التي كانت نتيجة للربيع العربي
ما أثار نفسي للتعليق في هذا الأمر هو موقف عباس المساوى ضيف حلقة الأمس وهو يلوم ثورات الربيع ويُخوّنها ببغض يُنبت الخضرة في العود المغبرّ ويُخرج النار من الشجر المخضّر، وأقد أشار الى مقال كتبه فيصل قاسم بعنون "ماذا بقي لنا؟" الذي قال فيه فيصل " كان قبل ثورات الربيع العربي يحكمنا عميل واحد أما الان يحكمنا عملاء كثر ولصوص عدة وقتلة في كل شارع "
هذه حقيقة تُضاف الى حقائق أخرى مؤلمة في بلاد الثورات الا أن طريقة جلد الذات التي ظهر بها عباس بالأمس في الاتجاه المعاكس ليست مبررة خصوصا أنه شخص دبلوماسي وسياسي وليس من أخلاط العامة بل من أهل الخاصة ولا السلفة انما من العلية وكان يجدر به أن يكون فاهما واعيا بمجريات الأمور ودقائق المباحث وعوائص التراكيب في مسائل السياسة وشؤون الدولة وأمور الحكم والثورات والاخ.....،
ان ما حدث في بلدان الربيع خلال العقد المنصرم هو أحداث طبيعية، لأن الثورة كالبركان تقذف بكل غضب مطمور وشعور مكبوت الى سطح التاريخ وحاضر المجتمعات وفي هذه اللحظة يحصل ما يسمى في علم الاجتماع "بالتناشز" بين الماضي(عادات وتقاليد وممارسات خاطئة ومظالم وأساليب أقرها النظام البائد وسمح بها الشعب) والمستقبل (ما يأمله الشعب والأحرار من عدالة اجتماعية وتسامح بين السياسيين و...) وفي هذه الحظة يتوقف عندها الزمن كثيرا لتحصل فيها المجازر ويغلب طبع الرجل البدوي الموصوف " بالنهّاب الوهّاب " على أغلب ممارسات الناس ويعيش الوطن لحظات مريعة يستوحيها من أدب الغابة ويتحول الأمر الى حيوانية متفسخة وقوانينها تسود في أرجاء البلاد،
يقول المفكر علي الوردي
(من طبيعة القيم الاجتماعية التي تسود فترات طويلة من الزمن أنها لا تتغير بنفس السرعة التي تتغير بها ظروفهم وهو ما يُعرف في علم الاجتماع "بالتناشز الاجتماعي" أو "التناشز التراثوي" وهو ظاهرة عامة تحدث في المجتمعات التي تشهد تغيرات كبرى وتحولات تاريخية عاصفة )
ولو لم تحدث هذه الأحداث التي تصاحب أي ثورة في أي مكان فلا تستحق أن يطلق عليها ثورة أو حتى انتفاضة فالثورة هذه ، وهذه هي أسبابها وأعراضها ثم الأمور بخواتمها !
لا تزال البلاد العربية في بداية طريقها نحو التحرر ويتطلب ذلك تضحيات جسام وأثمان باهظة لكن النهاية سوف تكون لصالح الشعوب مهما طال الزمان وضاق المكان سوف تنتصر الثورة وتتقدم وتتمدد وتلك سنة الحياة وآية بقاء الشعوب.