كلمات: م/فضل علي مندوق
الأحد 16/3/2025
في فجرٍ بلا وطن،
تنبثقُ روحي من كفنِ النوم
تسألُ المرآةَ عن جسدي،
أين أُعلّقه اليوم؟
في دولابٍ يأنّ من الرطوبة،
أم على حبلِ غسيلٍ لا يجرؤ الماءُ على مسّه؟
الماءُ يسألني:
أي خطيئةٍ تُثقل جلدك؟
فأصمت،
فليس للعارِ لسانٌ في حضرة الغرق.
في منتصف النهار،
تتكسر الأشياءُ بصمت:
نافذةُ الحنين،
حُلمُ الطفولةِ الذي أكلته نشرةُ الأخبار،
دولةٌ تَسقط من أعيننا كلما صعد مسؤولٌ جديد،
ومقبضُ بابٍ في وزارةٍ
يشبه يدَ عجوزٍ فقدت ذاكرتها.
وحين تميلُ الشمس،
تمشي الأراملُ في الحيّ كالأطياف،
لا يتحدثن،
كأنّ الكلامَ ترفٌ
سقط من تقويمِ الحرب.
والخرّيجون...
كتماثيل منسية،
يتنفسون ببطءٍ في الظلال،
يختبئون في علبِ الكبريت،
يبتلعهم الإسفلت،
ولا تُقيمُ لهم الأرصفةُ عزاءً.
في الصباح،
أُمسكُ شهادتي
كما يمسك الغريقُ بقشة،
أدلفُ إلى الدوائر الرسمية،
فتمضغني الجدران،
وتقذفني كأنني اسمٌ مبهَم
في ذيل قائمة الانتظار.
أمّي هناك،
تخبزُ الانتظارَ على نارِ الحنين،
تنتظرُ رغيفًا
تأخّره الحربُ
وتأكله المواعيد.
وأنا عند بابٍ مغلق،
أتوسلُ وجهها
بلهفةِ يتيم
نسيته جمعية الإعانة.
أمّي تبكي،
لا لأنّ أبي انطفأ،
بل لأنّ ظلَّه
لا يصلُ إلى المعاش،
حتى في المنام.
وفي ليل السنوات،
تمرّ خطاباتُ اللصوص
كأغانٍ مكرّرة،
والجائعُ
يحملُ وطنه في كيسِ خبز،
يبحثُ له عن ربطةِ عنق،
ليبدو أنيقًا في جنازته القادمة.
في كلّ نشرة،
ينبتُ مشروعٌ جديد
ككذبةٍ موسمية،
بينما تموتُ الكهرباءُ
على حافةِ شمعة،
تنوحُ كأمٍّ فقدت طفلَ الضوء.
منذ متى؟
منذ باركتهم آلهةُ النسيان،
تحوّل السارقُ إلى قوّادٍ،
يمضغُ الوطن
ويَقتسم الضحكاتِ مع الجلاد.
في المقهى،
رجلٌ كان يُرقّعُ الإطارات،
أصبحَ الآن
مالكَ نصفِ المدينة،
وكأنّ عجلةَ الزمنِ
دارتْ فوق دماءِ العابرين.
قائدُ اللواء؟
ذاك الذي كان ينام تحت السيارات،
يمتلكُ الآن فندقًا
تتدلّى من شرفاته سبعُ نجمات،
وثامنةٌ
تضحكُ من جهةِ الخليج.
يتكررُ الخبر،
والمشروعُ الجديد
يُعلن ولادته كلّ مساء،
لكنّ الكهرباءَ
لا تنجو من موتها المتعمّد،
تذوبُ كنقطةِ شمعٍ
في زفرةِ الظلام.
في الساحة،
الخرّيجون أسرابُ طيورٍ
فاتها موسمُ الهجرة،
أوراقهم صفراء
كأملٍ ذابل،
ووجوههم
نسخٌ عن صورةِ الانتظار.
في وطني،
كلُّ شيءٍ له ثمن:
دمعةُ الأرملةِ
سلعةٌ في مزاد الخديعة،
ويدُ اليتيمِ
تصفعها ابتساماتٌ
بروتوكولية.
القيصرُ الجديد،
كان بالأمسِ يبيعُ القات
عند باب الحارة،
واليومَ
يبتسمُ ضاحكًا من شرفةِ المهجر،
ويشتري مدينةً
بصفقةٍ واحدة.