آخر تحديث :الثلاثاء-15 أبريل 2025-08:45م
ملفات وتحقيقات

الرئيس علي ناصر يكشف تفاصيل زيارته الأولى إلى صنعاء .. وحكاية أول فشل للوحدة في 1979!!

الإثنين - 14 أبريل 2025 - 11:21 ص بتوقيت عدن
الرئيس علي ناصر يكشف  تفاصيل زيارته الأولى إلى صنعاء .. وحكاية أول فشل للوحدة في 1979!!
(عدن الغد) خاص:

إعداد/د. الخضر عبدالله:


استقبال صنعاء

الرئيس الأسبق علي ناصر محمد يواصل حديثه في سرد مذكراته السياسية، وهذه المرة يتحدث حول اللقاء مع رئيس صنعاء علي عبدالله صالح في سنة 1979م..وهذا ما قاله الرئيس ناصر في حديثه :"سافر عبد الفتاح إلى الاتحادالسوفياتي، بينما توجهتُ أنا إلى صنعاء في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 1979، في أول زيارة رسمية أقوم بها لصنعاء، شكلت نقطة تحول في سير العملية الوحدوية كلها. شعرتُ بسعادة بالغة عندما شاهدتُ صنعاء رابضةً في أحضان حراسها، جبال نقم وعيبان وعطان، والأخرى المطلة عليها، وسور مدينتها القديمة التاريخية الفاتنة، المنيع لصدّ هجمات الأعداء والغزاة. كانت السعادة تغمرني وأنا أشاهد عدداً من الطائرات المقاتلة، تحيط بطائرتي، وطياروها يحيّونني بحركات جوية يقوم بها الطيارون وهم يقتربون تارةً ويبتعدون تارةً أخرى حتى بدأت الطائرة الهبوط.

كانت الزيارة الرسمية الأولى على هذا المستوى (سبق أن زار سالم ربيع علي صنعاء لحضور جنازة الرئيس الحمدي). وشعرتُ بالسعادة عندما رأيتُ أبناء شعبنا محتشدين على أرض المطار، مرحبين بي وبالوفد الجنوبي، هاتفين للوحدة ولليمن... وكانت مظاهر الحفاوة على الصعيدين الشعبي والرسمي المؤثرة والمعبرة تشعرني بأنّ "الدم لا يمكن أن يصير ماءً"، وأنّ المسافة بين أبناء الوطن الواحد لا بد أن تضيق إن لم تُردَم.

ومما يثير الحزن والأسى اليوم، أن تفعل السياسات والممارسات الخاطئة، وخاصة منذ حرب 1994م لاحقاً فعلها، وتعمل على بثّ روح الكراهية والفرقة بين أبناء شعبنا.

شعرتُ بمسؤولية جسيمة أمام هؤلاء الناس الطيبين الذين توافدوا للإعراب عن مشاعرهم وأحاسيسهم، وخالجني شعور مفاده أنّ ما قمتُ به على مدى سنوات طويلة في سبيل الوحدة لم يذهب سدىً، وأنّ الهوة الفاصلة بين نظامي الحكم بين النظامين لا تعبّر عن حقيقة مشاعر الناس وتطلعاتهم إلى الأمن والاستقرار والاستثمار... وها هم الناس يتلاقَون ويهتفون... ويتفاءلون.

بعد استقبال رسمي حارّ في المطار حيث كان على رأس المستقبلين رئيس مجلس الشعب، القاضي عبد الكريم العرشي، الرجل الثاني في السلطة، انتقلنا في موكب رسمي إلى العاصمة، وجرى أول لقاء رسمي في منزل الرئيس علي عبد الله صالح، بحضور أعضاء الوفدين في قرية الدجاج بباب شعوب. وبعد كلمة ترحيب من قبله، شكرتُه على حفاوة الاستقبال، وجرى الحديث عن الوحدة والحرب، والأمن والاستقرار في اليمن، والخطوات العملية المؤدية إلى الوحدة بعيداً عن المزايدات والكلام الاستهلاكي والشعارات الفارغة من أي محتوى.

ومما أذكره أنني قلت للعقيد علي عبد الله صالح:

"نحن نضحك على الجماهير، والكل غير صادق، لا القيادة في الشمال ولا القيادة في الجنوب. فكل طرف يصدّر أزمته نحو الطرف الآخر، أما الجماهير فإنها فقدت ثقتها فينا. لقد أصبح الناس يتندرون بنا وبالمفاوضين باسمنا، حتى في فترات السلم ما بين النظامين: طلع عبد الله (أي عبد الله الخامري ممثل الرئيس سالم ربيع علي سابقاً) ونزل عبد الله (أي عبد الله حمران ممثل النظام في صنعاء)، ولا نريد أن يقولوا الآن نزل علي... طلع علي".

ثم أضفت، وبالحرف: "لا نريد أن نحدّد فترة زمنية، فلقد اتفقنا في عام 1972م على تحقيق الوحدة في فترة أقصاها عام واحد، ولم تتحقق الوحدة. واتّفقتم أنتم وعبد الفتاح إسماعيل على قيام الوحدة في أسابيع ثلاثة، واقترح بعضهم فترة ثلاث سنوات... وكنتم قد طرحتم في عام 1972م وحدة فورية ثم ثلاثة أشهر لأنكم كنتم تعتقدون أنّ الحرب لمصلحتكم... ونحن طرحنا في الكويت إعلان وحدة فورية، وأنّ عبد الفتاح سيتنازل لكم عن الرئاسة، لأن موقفنا العسكري كان الأقوى. وفي الواقع لا يمكن عبدَ الفتاح أن يتنازل، ولا "سالمين" كان سيتنازل للإرياني، لن يتنازل أحد للآخر إلّا إذا تحققت الوحدة في ظروف سليمة وطبيعية وهُيّئت الظروف المناسبة لتحقيقها، ولا داعي لأن نضحك على الشعب بتحديد فترة جديدة نحن عاجزون عن إقامة الوحدة فيها. وقدمتُ البديل، وهو أن ننجز بعض الخطوات العملية:

1- إنهاء حالة التوتر بين النظامين بكافة أشكاله العسكرية والأمنية والإعلامية.

2- الحوار مع الجبهة الوطنية ومعالجة أوضاع القيادات واستيعابهم في المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية، والسماح لهم بإصدار صحيفة باسمهم في صنعاء (الأمل).

3- إيقاف العمليات العسكرية في المناطق الوسطى التي بدأت عام 1971.

4- تكثيف الزيارات بين المسؤولين في عدن وصنعاء.

5- إنجاز أعمال لجان الوحدة، ومنها اللجنة الدستورية (أنجزت أعمالها في كانون الأول/ ديسمبر 1981م).

6- إقامة بعض المشاريع المشتركة وتوحيد بعض المناهج التعليمية.

7- تنفيذ كل ما يُتفق عليه، وأن لا نبقى واقفين انتظاراً للوحدة.

8- التنسيق في المواقف على مستوى السياسة الخارجية.

كنتُ أرى أنّ هذه الخطوات تشكل مدخلاً لعمل جاد على طريق الوحدة، بدلاً من "تحديد" فترة زمنية لا تستند إلى أساس واقعي، وبدلاً من حالة: إما الوحدة أو الحرب، أو الوحدة أو الموت.

وكان من نتائج هذه الزيارة أن وُقِّعَت اتفاقية وحدة في مجال الإعلام والثقافة، وقد وقّع عليها كل من الأستاذين علي باذيب عن الجنوب، ويحيى حسين العرشي عن الشمال، ما انعكس على طبيعة الدور الإعلامي والدور الثقافي، لأهميتهما في خلق رأي عام وحدوي على طريق الوحدة.


الحديث الصريح

وقال الرئيس ناصر مستطردا" كان حديثي صريحاً ومحدداً ولقي ارتياح الحاضرين... ربما لأنهم لم يكونوا يريدون إلزام أنفسهم بموعد محدّد، لكن بعض أعضاء وفدنا لم يكونوا مرتاحين لحديثي، لأنه لم يتضمن تحديداً لموعد تحقيق الوحدة.

وكان الجميع يهزّون رؤوسهم، اعترافاً ضمنياً منهم بأنهم لم يكونوا جادّين، وأنه ينبغي أن نبدأ من نقطة جديدة، فنسرع في تفعيل اللجان الوحدوية، وتبدأ كل لجنة من حيث انتهت.

(في الواقع، لقد احتجّ عليّ الإخوان في عدن بعد عودتي، لأنني لم أحدد سقفاً زمنياً للوحدة كما حصل بعد اتفاقية القاهرة والكويت).

أفتح هنا قوسين كبيرين لأقول إنني كنتُ قد بدأتُ أفكر، في ضوء تجربة حربي 1972م و1979م، في البحث عن أسلوب أكثر جدية وواقعية لتحقيق الوحدة، من طريق ما يُسمى التكامل الوظيفي والحوار والتفاهم ومدّ جسور الثقة مع القيادة في الشمال، والقضاء على بؤر التوتر، وخاصة في المنطقة الوسطى، لا عبر "إسقاط عدن من طريق الحرب"، أو "إسقاط صنعاء من الطريق ذاته".

كان قد سبق هذا اللقاءَ الموسَّع اجتماعٌ ثنائي جمعني بالرئيس علي عبد الله صالح في مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة، وهو مبنى أدخله للمرة الأولى، وقد كان في ما مضى مقراً سكنياً لوليّ العهد سيف الإسلام محمد البدر، ثم أصبح مقراً للقيادة العربية (القوات العسكرية المصرية) التي كان لها شرف الدفاع عن النظام الجمهوري.

قلتُ للرئيس: "قبل جلسة المحادثات الرسمية، أريد أن أسألك سؤالاً محدداً: إذا كنت جاهزاً (للوحدة) فسيكون كلامي مختلفاً، وإذا كنت غير جاهز... أريد رداً قاطعاً".

فأجابني بأنه في الواقع غير مقتنع بذلك، فالظروف غير مواتية الآن، وقال بالحرف: "لو اتفقنا أنا وأنت على الوحدة في هذا الدور الثاني من المبنى، فقد يبدأ القتال من الدور الاول... مع حرس مجاهد أبو شوارب، مثلاً، الذي كان موجوداً في المبنى نفسه".

قلتُ: أفهم أنك غير جاهز.

قال: تماماً.

قلتُ: أفهم أنك غير مستعد لتحديد فترة أخرى

قال: صحيح.

قلتُ: إذاً، سأتحدث من زاوية أخرى.

صنعاء لن تسقط إلا من داخل أسوارها

ترسخت لديّ قناعة بأنّ الحرب غير مجدية، وأنّ الوحدة بالحرب مستحيلة التحقيق، لأنّ الوحدة لم تكن قضية يمنية بحتة، بل عربية ودولية، ومن ثمَّ رأيتُ أنْ لا بدّ من تكثيف العمل الوحدوي والزيارات المتبادلة وتعزيز الثقة بين القيادتين. وأذكر أنّ أحدهم قال لي عندما ساد وهمٌ بسقوط صنعاء عندما تقدّمت قواتنا في حرب 1979م، إنّ صنعاء لن تسقط إلا من داخل أسوارها. وكان كلامه يعني أنّ الحروب عبثية، وأنّ علينا البحث عن بديل وأكثر من بديل لها، بتكثيف العمل الوحدوي الذي يسير على الأرض ويلمسه المواطن ويجني ثماره، والسعي لكسب صنعاء لمصلحة قضية الوحدة وتبديد مخاوفها عبر الحوار، وليس بالحرب. وبالنتيجة، كل ذلك سيبعدها قليلاً عن الارتباط بالخارج، قرُب هذا الارتباط أو بعُد، ويقرّب يوم الوحدة.


نقطة تحول سياسي


وواصل الرئيس ناصر حديثه قال:" كانت زيارتي لصنعاء نقطة تحول أساسية، حيث أُفرج على هامش الزيارة عن عدد من المعتقلين، ومنهم طاقم الطائرة التي نقلت حقيبة الموت (اغتيال الرئيس الغشمي)، وكانوا قد ظلوا قيد الاحتجاز منذ حزيران/ يونيو 1978م حتى زيارتي هذه لصنعاء في تشرين الأول/ أكتوبر 1979. وقد عالج الرئيس علي عبد الله صالح هذا الموضوع بشجاعة، إذ إنه كان يواجه ضغط القبائل وأسرة الرئيس الغشمي الذي نسي قضيته والثأر له بعد وقت قصير، كما كان يردد في خطاباته، وخاصة عند زياراته لمعسكرات القوات المسلحة، التي كان عادةً ما يختتمها بعبارة "ولا نامت أعين الجبناء"، وكنا المقصودين بها. وجاءت مبادرته هذه نوعاً من التقدير الشخصي إزائي، غير أنه لم يسمح بإعادة الطائرة.

اللافت أنه في أعقاب زيارتي الناجحة لصنعاء والمحادثات المهمة التي جرت، ألقى عبد الفتاح إسماعيل خطاباً في احتفالات 14 أكتوبر، جاء فيه أنه كان ينوي زيارة صنعاء، لكن القوى الإمبريالية والرجعية حالت دون القيام بها. فقلت له: إنك تهرّبت من زيارتها، فأيّ قوى إمبريالية ورجعية تلك التي منعتك؟ فلم يجد ما يقوله. ويبدو أنّ هناك من نصحه بإضافة هذه الفقرة إلى الخطاب لتبرير عدم زيارته التي لم تكن تعلم بها الجماهير لافتقار النظام إلى الشفافية، وهو لم يكن بحاجة لذلك، لأنه كان مسافراً للعلاج.

كنت مقتنعاً بضرورة مواصلة النشاط الوحدوي مهما تكن المصاعب، وأنّ عليّ أن أسير في الموضوع إلى النهاية، وأن أمضي فيه إلى أبعد شوط ممكن، معتمداً أسلوب الحوار البنّاء والصريح، والطويل النفَس. في هذا المناخ الجديد تتالت الزيارات المتبادلة، فزارنا رئيسُ الوزراء عبد العزيز عبد الغني في نيسان/ أبريل 1980م، وقمت بزيارتي الثانية صنعاء في حزيران/ يونيو، وهي الأولى لي بصفتي رئيساً للدولة، وكانت حافلة على كل صعيد، وأعطت ثمارها في الحياة اليمنية، وفي مسيرة الشعب الواحد، ويلي هذا توضيح لها.


(للحديث بقية)