تُثير قضايا الغيبيات في التراث الإسلامي جدلاً عميقاً بين العلماء والباحثين، حيث تتشابك المفاهيم بين ما ورد في القرآن الكريم وما نُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث تتحدث عن الغيب.
في هذا السياق، يقول الدكتور محمد شحرور إن كثيراً من الأحاديث المتعلقة بالغيبيات – كعذاب القبر، وأحداث القيامة، والجنة والنار – لا تصح نسبتها إلى النبي، مرجعاً ذلك إلى أن الإسلام يؤكد أن النبي لا يعلم الغيب إلا ما أوحى الله به إليه.
*الغيب في ضوء النص القرآني*
القرآن الكريم يقدم تصوراً واضحاً عن الغيب، مؤكدًا أن علم الغيب محصور بالله وحده.
وقد جاءت آيات عدة لتوضح هذا الأمر، منها:
- *"قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ"* (الأنعام: 50).
- *"قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ
"* (الأعراف: 188).
- *"قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ"* (الأحقاف: 9).
هذه الآيات تؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، بل هو مبلغ عن الله بما أوحى إليه فقط.
وعليه، فإن الأحاديث التي تنسب إلى النبي علماً شاملاً بالغيب تثير تساؤلات عن مدى صحتها وملاءمتها للنصوص القرآنية.
*الحديث النبوي وقضية الغيبيات*
تُعد الأحاديث المتعلقة بالغيبيات من أكثر النصوص التي أثارت جدلاً في التاريخ الإسلامي.
يتحدث البعض عن المهدي المنتظر، والدجال، والصراط، وأحداث الساعة بشكل موسع، لكن الدكتور شحرور يرى أن كثيراً من هذه النصوص ليست نبوية الأصل، بل تم نقلها من ثقافات سابقة للإسلام.
يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أوضح القرآن، لا يعلم الغيب مطلقاً إلا ما أوحي إليه، مما يجعل من غير المنطقي نسب أحاديث تحمل تفاصيل دقيقة عن الماضي أو المستقبل إليه.
*التراث الثقافي وتأثيره*
يُرجح أن بعض الأحاديث المتعلقة بالغيبيات تم تداولها من تأثير ثقافات الشعوب القديمة، حيث ساد فيها الاهتمام بالملاحم والأساطير المتعلقة بالمجهول.
تلك الروايات تسربت إلى التراث الإسلامي، وأُعطيت طابعاً دينياً دون تمحيص دقيق.
*قراءة نقدية لفهم الغيب*
عند النظر إلى مفهوم الغيب، يجب الاعتماد على النص القرآني كمرجع رئيسي، فهو المصدر القطعي للإسلام. أما الأحاديث، فيجب أن تُراجع من حيث سندها ومتنها، خاصة إذا تعارضت مع القرآن الذي حسم مسألة أن النبي لا يعلم الغيب إلا بما يوحيه الله.
الأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن الغيب يجب أن تُفهم في سياق النصوص القرآنية لا أن تكون مناقضة لها.
علم الغيب هو أحد الخصائص الإلهية التي لا يشارك الله فيها أحد.
ما ورد من نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن يجب أن يُدرس بعناية، وأن يطابق القرآن الذي أكد أن النبي ليس إلا نذيراً ومبشراً.
*التدبر والتأمل في النصوص هو المفتاح لفهم هذه القضايا، والعودة إلى القرآن هي السبيل لتصحيح المفاهيم وتنقيح التراث.*