في قلب الجزيرة العربية، حيث يفترض أن تشرق شمس العروبة بقوة، يقبع وطن أنهكته الحروب، وفتكت به الأزمات، حتى باتت أيامه متشابهة، كلها تنبض بالوجع، وتنسج من البؤس حكايات لا تنتهي ،اليمن، هذا البلد الذي كان يُعرف بيمن السعادة، أصبح اليوم مرادفًا للمعاناة، حيث تتراكم الأزمات فوق رؤوس أبنائه، في مشهدٍ يكاد يلامس حدود الكارثة الإنسانية.
لم يعد الحديث عن اليمن يقتصر على السياسة أو الصراع المسلح، بل أصبح قصةً تراجيدية تحكي عن جوعٍ ينهش الأجساد، وأمراضٍ تفتك بالأطفال، وأحلامٍ تذروها الرياح، ملايين اليمنيين باتوا اليوم في دائرة الفقر المدقع، يتسولون لقمة العيش في وطنٍ يفيض بالخيرات لكنه محرومٌ منها، يعانون القهر في بلدٍ كان منبعًا للحضارة.
في كل زاوية من شوارع المدن المنسية، في الأزقة الضيقة، وفي القرى البعيدة، هناك من يموت جوعًا بصمت، هناك من ينام على أرصفة البؤس، وهناك من يتأمل السماء لعلها تمطر رحمةً تداوي جراحه.
الأطفال، أولئك الذين كان يُفترض أن يكونوا زهور المستقبل، صاروا أرقامًا في سجلات الضحايا، بعضهم لم يجد لقمة تسد رمقه، وبعضهم اجتثه المرض قبل أن يلفظ أنفاسه، وآخرون فقدوا آباءهم وأمهاتهم، ليجدوا أنفسهم في عالمٍ قاسٍ لا يرحم اليتامى.
في زمنٍ مضى، وقف عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، يجهش بالبكاء فور توليه الخلافة، ليس خوفًا من المنصب، بل خشيةً من المسؤولية، قال لزوجته وهو يذرف الدموع: لقد توليت أمر أمة محمد... ففكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والمقهور والمظلوم، وعرفت أن ربي سائلي عنهم جميعًا.. فخشيت، فبكيت!
فأين هم حكام اليمن اليوم من هذا الخوف؟ أين هم من هذا الإحساس بالمسؤولية؟ كيف ينامون في قصورهم، والملايين ينامون على الطوى؟ كيف يهنئون بموائدهم العامرة، وهناك من يموت جوعًا؟
إنها مفارقة مؤلمة أن يصبح الحكام في وادٍ، والشعب في وادٍ آخر، أن تتحول السياسة إلى لعبة مصالح، يدفع ثمنها المواطن البسيط، الذي لا ذنب له سوى أنه وُلد في وطنٍ نسيه الجميع.
لم يعد اليمن كما كان، فقد تغير كل شيء، حتى وجوه الناس باتت تحمل بصمات التعب، حتى الضحكات أصبحت نادرة، وحتى الأمل صار رفاهية لا يملكها الجميع.
المستشفيات تفتقر إلى الدواء، المدارس أصبحت خاوية، الأسواق باتت تعج بالفقراء، والمستقبل مجهولٌ أكثر من أي وقتٍ مضى.
لا ماء نظيف، لا كهرباء، لا رواتب، لا أبسط مقومات الحياة؛ وكأن هذا البلد قد كُتب عليه أن يبقى في دائرة النار، لا يخرج منها إلا ليغرق في دوامة أخرى من الأزمات.
السؤال الذي يردده كل يمني، في كل لحظة، وفي كل مكان، إلى متى يستمر هذا العذاب؟ إلى متى يظل اليمن مرهونًا لأهواء الساسة؟ متى يدرك المتصارعون أن الوطن لم يعد يحتمل؟ متى يشعرون بوخزة الضمير، فيتحرك فيهم شيءٌ من الإنسانية؟
لقد تعب اليمن، وآن له أن يستريح، آن للأمهات أن يتوقفن عن البكاء على فلذات أكبادهن، آن للأطفال أن يعيشوا طفولتهم، آن للفقراء أن يجدوا ما يسد رمقهم، آن لهذا الوطن أن يستعيد عافيته، وأن يخرج من نفقه المظلم إلى نور الحياة.