آخر تحديث :الأحد-20 أبريل 2025-05:46م

هل تسمع القيادة الشرعية في اليمن لما طرحه الدكتور هاني الصلوي أم على قلوب أقفالها؟!

الأربعاء - 26 فبراير 2025 - الساعة 03:22 م
د. أحمد الفلاحي

بقلم: د. أحمد الفلاحي
- ارشيف الكاتب


إن الأزمة التعليمية التي تعصف باليمن اليوم ليست مجرد أزمة في البنية التحتية أو الموارد، بل هي مأساة وطنية تمس مستقبل أجيال بأكملها، فهناك آلاف من الأطفال والشباب وجدوا أنفسهم خارج أسوار المدارس والجامعات، بعدما دمرت الحرب المؤسسات التعليمية، واضطر المعلمون لترك وظائفهم، وعجزت الأسر عن تحمل نفقات التعليم... إنها صورة قاتمة لمجتمع يقف على حافة الضياع، حيث يُحرم جيل كامل من حقه الأساسي في التعلم، غير أن وسط هذه العتمة، تلوح بارقة أمل؛ أملٌ تحمله تكنولوجيا غيرت وجه العالم، وقادرة على تغيير واقعنا إن أحسنّا استخدامها.

دفعني قلق قديم على مستقبل التعليم في وطني إلى البحث عن حلول جذرية، حتى وقعت عيناي على مقال بعنوان الاتجار بالمستقبل للدكتور هاني الصلوي وهو مقال حمل بين سطوره رؤية صادقة، أشعل داخلي شعورا بضرورة التحرك إليه في مصر حيثُ يقيم، ولم أستطع الاكتفاء بالقراءة، لكني أجلت الأمر قليلًا، حيث كان صديقنا الدكتور هاني قد نشر المقال في أحد المواقع، لكن المقال اختفى فجأة، قبل أن يعيد موقع يمن فويس نشره، ثمَّ صدف أن حضرت إحدى الورش الخاصة بالتعليم الرقمي فوجدتهم يناقشون رؤية جديدة قدمها الصلوي وجدت الحضور منبهرين بها، فأدركت أن الموضوع لا يحتمل التأجيل ومن ثمَّ حزمت حقائبي متوجهًا إلى القاهرة للقاء الدكتور الصلوي - وقد تناهى إلى علمي قربه من القيادة السياسية! - مدفوعا بقناعة أن نقاشا مستفيضا معه قد يفتح آفاقًا أوسع للحل، وفي تلك الجلسة الفكرية العميقة، وجدت أمامي خبيرًا حقيقيًا في التعليم الرقمي، يمتلك من المعرفة والرؤية ما يؤهله للمساهمة الفعالة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من واقع التعليم في اليمن، وأجمعنا معًا على أن التعليم الرقمي ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو الحل الأكثر واقعية وقابلية للتنفيذ إذا ما توفرت الإرادة السياسية لتبنيه.

إن تجربتي كأستاذ جامعي متخصص في الحاسوب والذكاء الاصطناعي، ونتيجةً لنقاشاتي المستفيضة مع خبراء التعليم الرقمي من مختلف الدول مجال التعليم الرقمي، اتفق جميعهم على أن التعليم الرقمي هو بوابة الحل لإنقاذ التعليم في اليمن، فلقد أصبح التعليم الرقمي اليوم أكثر من مجرد ترف أو فكرة نظرية؛ بل أضحى خيارًا استراتيجيًا وحلاً واقعياً تتبناه الأمم لمواجهة الأزمات، ففي ظل الظروف التي تعيشها البلاد، يمكن للتعليم الرقمي أن يعيد للطلاب حقهم المسلوب، إذ يمنحهم فرصة الوصول إلى المعرفة عبر منصات إلكترونية مرنة تزيل حواجز الجغرافيا وظروف الحرب،

إن هذا المشروع ليس حلاً مؤقتًا، بل استثمارٌ طويل الأمد في مستقبل الوطن، ولن يتحقق إلا بتكامل الجهود بين الدولة والخبراء والقطاع الخاص، وبناء منصة وطنية مفتوحة للجميع، تدريب المعلمين على أساليب التدريس الرقمية، وتوفير الإنترنت بأسعار رمزية أو مجانية عبر التعاون مع شركات الاتصالات، وإنشاء مراكز تعليمية رقمية في المناطق التي تفتقر إلى الاتصال—كلها أركان أساسية تجعل المشروع قابلاً للحياة، بجانب أركان أخرى.

التعليم الرقمي هو السبيل إلى العدالة التعليمية فهو يمنح كل طالب حقه في التعلم مهما كانت ظروفه الاقتصادية أو موقعه الجغرافي، إنه وسيلة لإعداد جيل يمتلك مهارات العصر الرقمي، قادر على الإسهام في بناء وطنه واقتصاده المستقبلي. كما أنه ضمانٌ لاستمرارية العملية التعليمية حتى في أحلك الظروف، وجسرٌ نحو منظومة تعليمية حديثة ومرنة تواكب متطلبات المستقبل.

إن ما نطرحه اليوم ليس شعارات أو أحلامًا بعيدة المنال، بل مشروعا واقعيا قابلاً للتنفيذ، صاغته خبرات عملية ونقاشات مستفيضة بيني وبين الدكتور هاني الصلوي، وبدعم نخبة من الخبراء اليمنيين والأجانب. كل ما يحتاجه هذا المشروع هو إرادة سياسية تؤمن بأن التعليم هو حجر الزاوية في أي مشروع وطني للنهوض بالبلاد. فالتاريخ لا يذكر القادة الذين اكتفوا بإدارة الأزمات، بل يخلد من واجهوها بحلول جذرية وصنعوا منها جسورًا نحو المستقبل.

إن اليوم بين أيدي القيادة السياسية فرصة لصنع قرار تاريخي يعيد الأمل لجيل كامل، ويؤسس لنظام تعليمي حديث يكون ركيزة للنهوض باليمن. فالتعليم الرقمي ليس مشروعا عابرا، بل رؤية وطنية تتطلب إرادة حقيقية ودعماً مؤسسياً وشراكة جادة مع الخبراء. ونحن، بقدر ما نحمل من خبرة ومعرفة، مستعدون لوضع خارطة الطريق، وتقديم كل ما يلزم لضمان نجاح هذا المشروع. إن التاريخ يكتب بأفعال القادة الذين اتخذوا قرارات جريئة غيرت المسار، واليوم يمكن لهذا القرار أن يصنع فارقًا للأجيال القادمة. التعليم هو المستقبل، والمستقبل يبدأ الآن.

وأخيرًا، وبالإشارة إلى مقال الدكتور هاني الصلوي، فإنه قد تناول الكثير من الحلول الرقمية لأهم مشاكل اليمن الجريحة حاليًا، ومن ضمنها مشكلة الهويات، والفساد الإداري، بجانب إشكالات أخرى، ولكني آثرت هنا الاقتصار على التعليم فهو مبدأ الحكاية ومنتهاها.