بقلم: علي أحمد سعيد هنده
تهامة… لم تكن يومًا خارج سياق التاريخ، ولا غائبة عن ذاكرة اليمنيين. فهي الحاضرة في ميادين البطولة والشرف والكرامة، والحاضرة كذلك في وجدان الشعب بموروثها الشعبي العريق، الممتد على جغرافيا وطننا الحبيب.
تتميّز تهامة بإرثها التراثي الغني، الذي يُجسد عمقًا تاريخيًا يعبر عن أصالة الإنسان التهامي، أرضًا وإنسانًا، بما فيه من شعر وغناء ورقصات شعبية لها خصوصيتها في كل مدينة من مدن تهامة، تميزها عن بقية المحافظات اليمنية.
وقد استطاع برنامج “طائر المغرب” الذي يُعرض على قناة الجمهورية، أن يقدم هذا الموروث بطريقة لامست القلوب، من خلال تسليطه الضوء على الفنون التهامية في احتفالات العيد بالساحل الغربي، مقدمًا نموذجًا إعلاميًا يُحتذى به في التعامل مع الهوية الثقافية والتراث الشعبي.
لقد لمسنا في هذا البرنامج اهتمامًا صادقًا بالمبدعين من أبناء تهامة، من شعراء وفنانين وأدباء، وبرزت فيه وجوه شابة صاعدة، ظهرت من خلفية ثقافية ومعرفية ومهنية، وليس من فراغ. كان ذلك واضحًا في جودة الأداء، وفي الفكرة التي تبنّاها البرنامج، والتي ارتكزت على إبراز الإرث الشعبي التهامي كجزء لا يتجزأ من الهوية اليمنية.
ما ميّز البرنامج ليس فقط تنوع فقراته الفنية والشعرية، بل أيضًا أخلاقيته المهنية العالية، وشعوره بالمسؤولية الوطنية تجاه هذا التراث. لقد كسر حاجز التجاهل الذي طال تراث تهامة لعقود، وفتح نافذة نحو رؤية شاملة تأخذ هذا الإرث إلى عوالم الأدب والفن والإبداع على المستويين الوطني والعربي.
من هنا، نتطلع بكل أمل إلى الجهات المختصة والمعنية بأن تُعيد النظر في كيفية التعاطي مع هذا التراث العظيم، وأن توليه الاهتمام الكافي للحفاظ عليه من الاندثار. فالموروث التهامي ليس فقط ملكًا لأبناء تهامة، بل هو مرجعية وطنية وثقافية للأجيال القادمة، يجب صونه وتوثيقه وحمايته من التهميش أو الضياع.
إن الحفاظ على هذا الموروث هو حفاظ على جزء أساسي من الهوية اليمنية، وعلى القائمين على المؤسسات الثقافية والإعلامية أن يدركوا حجم هذه المسؤولية، وأن يمنحوا المبدعين من أبناء تهامة ما يستحقونه من تقدير ودعم واهتمام.
وفي ختام هذه الرسالة، نورد مقطعًا شعريًا من أحد الأصوات التهامية الجديدة الصاعدة، الشاعر أحمد يحيى أحمد الأهدل (عطلة) من مدينة حيس، حيث يقول:
نفسي على أللي حَرمنا
جمبي ويجهل عُطاشي
أللي بحُبّه سَلبنا
روحي وحـرّق رياشي
أمعقل ماعد سكنّا
قد راح منّي أتاشي
وامنوم بعده هجرنا
أمليل أفارق فراشي
تحية تقدير لكل من يسهم في إبراز تراث تهامة وهويتها، وكل الأمل أن تستمر مثل هذه المبادرات، وأن تتحوّل إلى مشاريع مؤسسية تنهض بهذا الإرث إلى آفاق أوسع وأرحب.