شهدت محافظة حضرموت يوم السبت، 12 أبريل 2025، منعطفًا سياسيًا جديدًا في مسار القضية الوطنية، بعد أن نظم حلف قبائل حضرموت بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش لقاءً موسعًا ضم المئات من أبناء المحافظة وممثلي القبائل والشخصيات الاجتماعية، خرج بمطالبات واضحة بمنح حضرموت الحكم الذاتي، وهو ما وصفه المشاركون بأنه "أدنى استحقاق" لأبناء المحافظة.
اللقاء الذي احتضنته هضبة حضرموت، جاء في سياق تصاعد مشاعر الغضب من التهميش السياسي والاقتصادي الذي تعانيه المحافظة منذ سنوات، ودفع بقيادتها ومكوناتها المجتمعية إلى طرح خيار الإدارة الذاتية كحل لإنهاء تلك المعاناة.
الحدث أثار ردود فعل واسعة من مختلف القوى والمكونات السياسية، التي عبّرت عن تباين واضح في مواقفها بين التأييد الحذر، والرفض القاطع، والدعوة إلى الحوار كوسيلة للخروج من الأزمة دون انزلاق نحو مزيد من الانقسام.
في كلمته خلال اللقاء، أكد الشيخ عمرو بن حبريش، رئيس مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت، أن المحافظة قررت اختيار الحكم الذاتي، مشددًا على أن القرار بيد أبنائها وحدهم. كما جاء في البيان الختامي للقاء أن أبناء حضرموت يرفضون العودة لأي وصاية أو هيمنة، ويعتبرون أن إدارة شؤونهم بأنفسهم أصبحت أولوية لا يمكن التراجع عنها.
من جانبه، قال اللواء فرج البحسني، محافظ حضرموت السابق، إن أبناء المحافظة هم درعها الحصين وسندها الثابت، مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على وحدة الصف، وعدم الانجرار خلف مشاريع تفتت النسيج الحضرمي.
بدورها، أمانة حزب الإصلاح في حضرموت أصدرت بيانًا رحّبت فيه بالحشد الجماهيري الكبير، ووصفت اللقاء بأنه انتصار للإرادة الحضرمية، داعية إلى تلبية مطالب أبناء المحافظة ضمن إطار السيادة الوطنية والدولة.
وفي المقابل، عبّر مكون "شباب الغضب بوادي وصحراء حضرموت" عن رفضه لما وصفه بمحاولات اختزال حضرموت في مكون قبلي واحد، معتبرًا أن ما جرى هو التفاف على تطلعات الشباب في دولة جنوبية مستقلة، محذرًا من جرّ المحافظة نحو الانقسام.
أما على الصعيد الشعبي، فقد قوبل اللقاء بترحيب واسع من شرائح عديدة في حضرموت، رأت فيه متنفسًا سياسيًا يعكس تطلعاتها في تحقيق شراكة حقيقية، وإدارة عادلة للموارد والخدمات، بعيدًا عن المركزية المفرطة والفساد المستشري.
التصعيد السياسي الذي بدأ من الهضبة يضع الحكومة اليمنية أمام تحدٍ جديد، خاصة في ظل مطالب معلنة باستبدال الأنابيب المهترئة في منشآت النفط، وإعادة ترتيب العلاقة مع الدولة بما يضمن الشفافية في تقاسم الإيرادات ومواقع القرار.
إن ما جرى في حضرموت لا يمكن قراءته بمعزل عن المشهد اليمني العام، حيث تتصاعد التوترات في أكثر من محافظة، وتتجدد المطالب المحلية بتمكين المجتمعات من إدارة شؤونها في ظل دولة اتحادية عادلة.
الحكم الذاتي لحضرموت قد يكون مدخلًا للحل أو بوابة لتفتيت جديد، يتوقف ذلك على كيفية تعامل الأطراف الرسمية والسياسية مع هذه المطالب. وبينما يرى البعض أن هذه الخطوة تمثل بداية لمرحلة أكثر عدالة، يحذّر آخرون من أن تكون مدخلًا لصراع مناطقي جديد.
المطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، هو إطلاق حوار وطني شامل يعالج المظالم ويؤسس لعقد اجتماعي جديد، يضمن لكل المحافظات حقوقها، ويصون وحدة اليمن واستقراره في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المتسارعة.