مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتزايد معاناة الأسر الفقيرة في اليمن في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات. ومع استمرار الصراع، وتراجع القدرة الشرائية، وتفاقم البطالة، أصبح الاستعداد للشهر الكريم يشكل عبئًا ثقيلاً على كثير من العائلات التي بالكاد تجد قوت يومها.
في الأحياء الفقيرة لمدن مثل صنعاء وعدن وتعز والحديدة، تبدو الأسواق أقل ازدحامًا مقارنة بالسنوات الماضية، فيما تتكرر شكوى المواطنين من الغلاء الفاحش الذي طال المواد الغذائية الأساسية. كثير من الأسر كانت تعتمد في السابق على رواتب الموظفين والمساعدات الإنسانية، لكن مع انقطاع الرواتب وارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل القمح والأرز والزيت والسكر، بات تأمين احتياجات رمضان حلمًا بعيد المنال لكثير من العائلات.
الأمهات في المنازل يحاولن التأقلم مع الظروف الصعبة، في حين يعتمد البعض على الديون أو الاستدانة من البقالات المجاورة لتأمين ما يمكن من احتياجات الشهر الكريم. البعض الآخر لجأ إلى تخفيض كميات الطعام والاكتفاء بالضروريات. يقول أبو عبد الله، وهو رب أسرة يعيل خمسة أطفال في صنعاء، إن تجهيزات رمضان لم تعد كما كانت من قبل، وإن عائلته ستعتمد هذا العام على “ما تيسر”، بعد أن أصبحت اللحوم والفواكه من الكماليات التي لا يمكن التفكير فيها.
على الجانب الآخر، تحاول الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية سد الفجوة من خلال حملات توزيع السلال الغذائية، لكنها لا تكفي أمام حجم الاحتياج المتزايد. بعض الأسر تنتظر مساعدات شهر رمضان التي تقدمها الجهات المانحة، فيما ينشط بعض الشباب والمتطوعين في تنظيم مبادرات خيرية لجمع التبرعات وتوزيع الوجبات على الأسر الأكثر احتياجًا. لكن التحدي الأكبر يظل في استمرار هذه المبادرات في ظل شح الموارد وصعوبة الأوضاع الاقتصادية.
الأطفال في الشوارع يبيعون المناديل والمياه وأكياس البلاستيك عند إشارات المرور، بينما آخرون يبحثون في أكوام القمامة عن شيء يمكن بيعه أو الاستفادة منه. هؤلاء الأطفال، الذين كان من المفترض أن يقضوا رمضان في أجواء أسرية دافئة، يجدون أنفسهم في مواجهة قاسية مع واقع يزداد صعوبة يومًا بعد آخر.
مع ارتفاع الأسعار، يجد حتى أصحاب الدخل المتوسط أنفسهم عاجزين عن تلبية متطلبات أسرهم، حيث تضاعفت أسعار بعض السلع مقارنة بالعام الماضي. الطحين والزيت والسكر، وهي أساسيات أي مائدة رمضانية، أصبحت بعيدة المنال بالنسبة لكثير من العائلات. في الأسواق، يشتكي التجار أنفسهم من ضعف الإقبال وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، في وقت تزداد فيه تكاليف الاستيراد والنقل.
النازحون الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم بسبب الحرب هم الفئة الأكثر تضررًا، إذ يقيم كثير منهم في مخيمات تفتقر إلى الخدمات الأساسية. هؤلاء لا يفكرون في تحضيرات رمضان بقدر ما يفكرون في كيفية البقاء على قيد الحياة. العديد من الأسر النازحة تعتمد بشكل شبه كلي على المساعدات الإنسانية، لكن تقليص الدعم الدولي يزيد من معاناتهم.
في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال الكبير: كيف ستتمكن الأسر اليمنية الفقيرة من تجاوز شهر رمضان وسط هذه الأزمة الخانقة؟ في وقت كان يفترض أن يكون شهر الرحمة والتكافل فرصة لتخفيف المعاناة، يجد الفقراء أنفسهم أمام تحديات أكبر، بين توفير الطعام لأبنائهم وبين مواجهة الغلاء وندرة الموارد. في الوقت ذاته، تظل الجهود الخيرية ومبادرات التكافل الاجتماعي بارقة أمل قد تخفف شيئًا من المعاناة، لكنها لا تكفي أمام الاحتياجات المتزايدة في بلد أنهكته الحرب والأزمات.