بعد عام من قصف الحوثيين موانئ تصدير النفط.. هل تصمد حكومة معين عاما آخر بدون عائدات النفط؟
ما الخسائر الاقتصادية التي تحملتها الحكومة جراء استهداف مليشيا الحوثي موانئ تصدير النفط؟
ما التحذيرات التي أطلقها التقرير الدولي لشبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة في حالة استمرار منع التصدير؟
ما الشروط الحوثية من أجل السماح بإعادة تصدير النفط مرة أخرى؟
هل من عودة لتصدير النفط أم أن الأمر مرهون بالتسويات السياسية المقبلة؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
تشكو الحكومة المعترف بها دوليا من أزمة مالية حادة متواصلة، جراء استمرار توقف تصدير النفط، إثر الهجمات التي شنتها مليشيا الحوثي على موانئ تصدير النفط في جنوب البلاد في مثل هذا الشهر من العام الماضي.
وعقب هجمات حوثية بالطيران المسير استهدفت ثلاث موانئ هي الضبة والنشيمة وقنا في محافظتي حضرموت وشبوة شرقي البلاد، توقفت عملية إنتاج وتصدير النفط التي تعتمد عليها الحكومة اليمنية لدفع رواتب الموظفين والتزاماتها المالية الأخرى، وسط تهديد متواصل لمليشيا الحوثي، بالاستمرار في منع أي محاولات للتصدير دون الاتفاق معها على تقاسم العائدات المالية لعملية التصدير.
ومؤخرا تحدث تقرير دولي عن انخفاض إنتاج النفط في اليمن إلى 85 % منذ أكتوبر2022م، بسبب الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي على المنشآت النفطية في جنوب اليمن في الأشهر الأخيرة من العام الفائت 2022م.
وتواجه الحكومة المعترف بها دوليا المزيد من التحديات الاقتصادية والإنسانية، مع استمرار مليشيا الحوثي منعها من تصدير النفط وحرمان خزينة الدولة من مليار دولار سنويا.
> حرب اقتصادية
ينقضي عام على الهجمات الإرهابية الحوثية التي استهدفت موانئ تصدير النفط في جنوب شرق البلاد.
ويعد الثامن عشر من أكتوبر 2022م يوما مشؤوما حل على الحكومة اليمنية والشركات النفطية العاملة في البلاد، إذ شنت مليشيا الحوثي أول هجوم إرهابي على الموانئ النفطية الواقعة في شرق البلاد، واستهدف ميناء رضوم التابع لمحافظة شبوة، ثم أعقبه هجوم آخر يوم 19 أكتوبر في ذات الميناء، أما الهجوم الثالث فكان في 21 أكتوبر من ذات العام استهدف ميناء الضبة بحضرموت.
ولم تكتفِ مليشيا الحوثي بذلك، ففي 21 نوفمبر شنت الجماعة رابع عملية استهداف لموانئ النفط في جنوب اليمن، بقصفها ميناء الضبة النفطي في حضرموت، بطائرة مسيرة مفخخة أثناء تواجد إحدى السفن التجارية الأجنبية بالميناء.
وحسب تقديرات حكومية، فإن هذه الاعتداءات تسببت بإغراق مضخة التصدير التي ستكلف الدولة أكثر من خمسين مليون دولار لإصلاحها في مدة لا تقل عن ستة أشهر.
ولم تمر هذه الهجمات الإرهابية -حينها، دون إدانة من الحكومة اليمنية، إذ طالب رئيس الحكومة معين عبد الملك عقب هذه الهجمات الإرهابية بتحرك دولي عاجل لمنع انهيار الوضع الاقتصادي والإنساني، متهما الحوثيين بشن حرب اقتصادية ضد الشعب اليمني، داعيا المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى التحرك العاجل لدعم جهود مجلس القيادة الرئاسي والحكومة وتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، لردع الحرب الاقتصادية التي تشنها جماعة الحوثي ضد الشعب اليمني، معتبرا هذه الحرب الحوثية تهدد وتنسف كل فرص السلام وتقضي على الجهود الجارية في هذا الإطار، وحذر من أن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمامها وستدرس كافة الخيارات للتعامل مع ذلك.
وناشد عبد الملك الدول الشقيقة والصديقة بتبني رسائل واضحة تجاه الحرب الاقتصادية التي يشنها الحوثيون ودعم جهود مؤسسات الدولة والحكومة للحفاظ على الوضع الاقتصادي والإنساني من الانهيار.
وعلى الرغم من مرور عام على هذا العمل الإرهابي من قبل مليشيا الحوثي، إلا أن ردة الفعل تجاه ما قام به الحوثيون قبل عام من اليوم بمنع تصدير النفط، تكاد إلى هذه اللحظة تكون معدومة سواء من قبل مجلس القيادة الرئاسي وحكومة معين عبد الملك أو من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
وتشترط مليشيا الحوثي على الحكومة المعترف به دوليا وقيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، صرف رواتب جميع الموظفين في المناطق الخاضعة لهم من عائدات النفط، مقابل وقف الهجمات على الموانئ والسماح بتصدير النفط.
> تحديات اقتصادية وإنسانية
تتوالى التحذيرات الدولية من استمرار منع الحكومة المعترف بها دوليا من تصدير النفط، لما من شأنه مضاعفة التحديات الاقتصادية والإنسانية التي تواجهها في ظل الحرب المستمرة منذ 9 سنوات.
وطبقا للتقرير الدولي الصادر عن "شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة"، فإن توقف التصدير للنفط في اليمن نتيجة قصف الحوثيين للموانئ النفطية، أعاق مواجهة الحكومة المعترف بها دوليا المزيد من التحديات الاقتصادية والإنسانية، وكلفها خسائر إجمالية، بلغت أكثر من مليار دولار أمريكي حتى يوليو الماضي من هذا العام 2023م.
ولفت التقرير إلى أن الحكومة لا تزال تواجه نقصا حادا في الإيرادات، نتيجة توقف تصدير النفط، بالإضافة إلى انخفاض إنتاجه بنحو 85 %، جراء فقدان أسواق التصدير، باعتبار أن النفط كان أهم مصدر للإيرادات الحكومية حيث كانت صادراته تمثل 70 % من إجمالي الإيرادات الحكومية قبل الانقلاب الحوثي على الدولة في 2014م.
واتهم التقرير جماعة الحوثي بشن حرب اقتصادية على اليمنيين، من خلال فرض منع دخول البضائع من مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها، وقال إن تلك المحاولة تهدف إلى إعادة توجيه الواردات السلعية عبر نافذيها ومن خلال موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرتها بعد رفع القيود الأممية عليها.
وأشار التقرير إلى أن هذه الإجراءات الحوثية قد ألحقت بالحكومة المعترف بها دوليا خسائر اقتصادية تقترب من 50 مليار ريال يمني شهرياً من عائدات الجمارك والضرائب.
وطبقا للتقرير نفسه، فإن هذه الخسائر تحد بشكل كبير من قدرة الحكومة الشرعية على مواجهة التحديات والأعباء الاقتصادية والإنسانية القائمة والمتزايدة، كما أنها تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن عموماً.
ويرجح التقرير أن يظل نطاق انعدام الأمن الغذائي الحاد في اليمن مرتفعاً حتى يناير 2024، في ظل زيادة الاحتياجات إلى جانب تدهور الظروف الاقتصادية في المناطق الواقعة ضمن نفوذ الحكومة المعترف بها دوليا.
وفي أبريل 2022 كان سعر الدولار يساوي نحو ألف ريال، واستمرت العملة المحلية بالتراجع وسط ضعف معروض النقد الأجنبي في البلاد، الذي تزامن مع عدم قدرة الحكومة على تصدير النفط إلى الأسواق الدولية.
ووفق خبراء اقتصاديين، فإن هذا التراجع في قيمة الريال أسهم في زيادة الأسعار، ما أدى إلى المزيد من تدهور أوضاع المواطنين الذين يعيشون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم.
وطبقا لما أعلنه برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن أسعار السلع الغذائية تضاعفت منذ مطلع العام 2021م.
وللتعويض عن نقص الإيرادات التي كانت تجنيها الحكومة من صادرات النفط قبل المنع، لجأت حكومة معين عبد الملك في مطلع 2023 إلى استخدام سلاح الدولار الجمركي، أملا في تحصيل بعض الإيرادات لمواجهة شح السيولة النقدية، في الوقت الذي تعاني المحافظات التي تخضع لسيطرتها ومن بينها العاصمة المؤقتة عدن من النقص في السلع مع زيادة في أسعارها وبشكل جنوني.
ورفعت السلطات في يناير من العام الحالي سعر صرف الدولار المستخدم لحساب الرسوم الجمركية على السلع غير الأساسية بنسبة 50 في المئة ليصبح عند 750 ريالا بدل 500 ريال في السابق، وهو أقل من سعر الصرف الرسمي الحالي للعملة المحلية، وهذه هي الزيادة الثانية بعد الزيادة الأولى في يوليو 2021م التي ضاعفت من سعر الدولار الجمركي بعدما كان عند 250 ريالا.
> الابتزاز مستمر وردة الفعل منعدمة
يستمر الابتزاز الحوثي في منع تصدير النفط، وربط ذلك بدفع الرواتب للموظفين في المناطق الخاضعة له.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي قال عضو مجلس القيادة الرئاسي عبد الرحمن المحرمي في مقابلة مع صحيفة "عكاظ السعودية"، إن جماعة الحوثي استخدمت ملف الاقتصاد وعملية تجويع الشعب في مناطق سيطرتها وفي المناطق المحررة، ورغم الهدنة إلا أن الحوثيين أكملوا اعتداءاتهم على الاقتصاد الوطني.
وأوضح المحرمي أن الحوثيين استخدموا الطيران المسير لقصف المنشآت النفطية في ميناء النشيمة في شبوة وميناء الضبة في حضرموت؛ مما منع عملية التصدير لتحرم الشعب من أهم العائدات المالية التي كانت بالكاد تغطي الرواتب وبعض الخدمات الضرورية.
ووصف المحرمي الوضع الاقتصادي بإنه يمر في أسوأ حالاته ويعتمد بالأساس على المساعدات الدولية والدعم الكبير من السعودية، محذرا من استمرار الحوثيين في تهديد تصدير المشتقات النفطية وإدخال البلد كله في أزمة اقتصادية قد تخلق عقبات أمام السلام ومزيداً من الصراع والفوضى، مشددا على ضرورة دور المجتمع الدولي للعب دور أكثر تأثيراً وفعالية للضغط على الحوثيين لإيقاف هذه التهديدات.
ختاما.. الغرابة في هذا الموضوع أن استهداف مليشيا الحوثي لموانئ تصدير النفط، تزامن مع فتح موانئ الحديدة ورفع القيود الأممية المتعلقة بالتفتيش على السفن التجارية، وبالتالي ضمان الجماعة الحصول على النفط والغاز الإيراني كبديل للنفط والغاز القادم من مناطق الحكومة اليمنية التي تحظى بالشرعية الدولية.
هذا الوضع الاقتصادي المريح للجماعة، منحها الفرصة الكافية كي تتفرغ للحرب الاقتصادية على السكان الخاضعين للحكومة المعترف بها دوليا.
ولعل استمرار هذا الوضع المختل دون وضع معالجات، يضع أكثر من علامة استفهام على توقيت الهجمات الحوثية على موانئ تصدير النفط قبل عام، وغياب ردة الفعل من قبل مجلس القيادة الرئاسي إزاء ما يحدث حتى اليوم، على الرغم من أن حكومة معين عبد الملك قد تواجه شبح الإفلاس في مطلع العام القادم في ظل استمرار وضع كهذا؟