تقرير يتناول الأثر المتوقع من خفض تكاليف التأمين في ظل بقاء الجبايات غير القانونية..
هل يسهم خفض رسوم التأمين على السفن في تخفيض أسعار السلع والبضائع؟
ما جدوى خفض تكاليف التأمين في ظل تعدد الجبايات غير القانونية؟
ما ردة فعل مليشيا الحوثي تجاه خطوة الحكومة المعترف بها دوليا؟
ما أبرز التحديات التي يواجهها قطاع المال والأعمال؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
وقعت وزارة النقل في عدن مذكرة تفاهم أولية خاصة بخفض كلفة التأمين البحري على السفن القادمة إلى الموانئ الواقعة في المحافظات تحت سيطرة الحكومة المعترف بها جنوب وشرق البلاد.
وتنص مذكرة التفاهم الأولية على وضع وديعة تأمينية في نادي الحماية التأمينية بلندن بهدف تخفيض رسوم التأمين على السفن والبواخر التي تضاعفت إلى 16 ضعفا عن الوضع العادي، بسبب ظروف الحرب التي أشعلتها المليشيا الحوثية في العام 2014م.
وفي الوقت ذاته تزايدت حالة الصراع بين الهيئة العامة لتنظيم شئون النقل البري وبين نقابة النقل الثقيل مؤخرا، الأمر الذي بات يهدد بتعطيل ما تبقى من نشاط تجاري لميناء عدن.
وفي الآونة الأخيرة شهدت محلات تجارية عديدة بمحافظة عدن حالة من الكساد الاقتصادي، بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار.
كل ذلك يضع سؤالا مشروعا عن مدى جدوى خفض تكلفة التأمين البحري وتأثيرها على أسعار السلع في ظل تزايد الجبايات غير القانونية.
> وديعة تأمينية بـ50 مليون دولار
قالت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" التابعة للحكومة المعترف بها دوليا، إن وزير النقل عبدالسلام حُميد وقع مع الأمين العام المساعد للأمم المتحدة المدير الإقليمي للمنطقة العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبدالله الدردري، مذكرة تفاهم أولية خاصة بخفض كلفة التأمين البحري على السفن القادمة إلى الموانئ المحررة.
وذكرت الوكالة الحكومية أن التوقيع على الاتفاق النهائي سيجري مطلع سبتمبر القادم من العام الجاري.
ويرى مختصون في الشؤون الاقتصادية أن هذا الاتفاق يهدف إلى خفض المخاطر العالية على الموانئ الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليا، علاوة على جذب الخطوط الملاحية العالمية والسفن التجارية لميناء عدن والموانئ المحررة، بما ينعكس على تخفيض تكاليف شحن السلع والخدمات.
ووفقا لمسؤولين في وزارة النقل، فإن أهمية إنجاز هذه الاتفاقية يكمن في خفض كلفة التأمين للمخاطر مع شركات التأمين العالمية القائمة على الدراسات وتقييم المخاطر التي أعدها خبراء من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والدور المعول عليها في خفض رسوم التأمين على السفن التجارية في موانئ المناطق المحررة، بما ينعكس على الأسعار والوضع الإنساني والاقتصادي.
وفي سياق متصل قال وزير النقل عبد السلام حميد "إن الاتفاقية تأتي بناء على قرار مجلس الوزراء لعام 2023م الخاص باعتماد وديعة تأمينية تبلغ 50 مليون دولار بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، لتخفيف الرسوم التأمينية لمخاطر الحرب على السفن والبواخر القادمة للموانئ اليمنية المحررة".
وأكد "حميد" أهمية تعزيز أوجه التعاون المشترك بين الحكومة والقطاع الخاص في مجال إنعاش الحركة التجارية والاقتصادية عبر ميناء عدن، وتقديم الوزارة كافة التسهيلات اللازمة لحركة البواخر والسفن عبر موانئ المناطق المحررة وخصوصاً ميناء عدن التسهيلات الممنوحة من الحكومة لإنعاش الحركة التجارية والتأمين على السفن واستعداد الموانئ لاستقبال البواخر والسفن إلى ميناء عدن مباشرة دعماً للنشاط التجاري والملاحي بالبلد.
ودعا "حميد" الشركات والوكالات الملاحية إلى استيراد كافة البضائع والمشتقات النفطية عبر الموانئ المحررة، وخاصة بعد التسهيلات المقدمة لكبار المستوردين والخطوط الملاحية وفق التوجيهات بذلك لكافة الموانئ.
وفي ردة فعل أولية على توقيع مذكرة خفض تكاليف التأمين وتقديم التسهيلات للتجار والموردين لجذبهم للاستيراد عبر موانئ سيطرتها، أقرت مليشيا الحوثي زيادة نسبة الجمارك على البضائع القادمة عبر المنافذ البرية من مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا إلى المحافظات الخاضعة لها بنسبة 100 في المائة.
وبموجب قرار الحوثيين زيادة نسبة الضرائب الجمركية 100 في المائة، سيدفع التجار والمستوردين في مناطق سيطرة الحوثيين عبر موانئ نفوذ الحكومة ضرائب جمركية ضعفي ما يدفعه التجار عبر ميناء الحديدة، وتأتي هذه الخطوة الحوثية لإجبار التجار والمستوردين للاستيراد عبر ميناء الحديدة وحرمان الحكومة الشرعية من عائدات الجمارك والضرائب.
> أثر الاتفاق على إنعاش الحركة التجارية
يعد قطاع النقل ركيزة أساسية في النهوض باقتصاد اليمن والتوقيع على الاتفاقية الأولية لتأمين مخاطر الحرب على النقل البحري، ويرى مراقبون أن هذا الإجراء سيسهم في خفض تكاليف الاستيراد، وبالتالي خفض أسعار المواد الغذائية لليمنيين.
وفي وقت سابق من العام الجاري، اتخذت اللجنة الوزارية المكلفة بدراسة التطورات الاقتصادية ووضع المعالجات الكفيلة بتأمين حركة التجارة في المنافذ البرية والبحرية عددا من الإجراءات، بعد قيام مليشيا الحوثي بإجبار التجار على تفريغ بضائعهم في ميناء الحديدة، بدلا من الموانئ التي تخضع لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
وأقرت اللجنة الوزارية عددا من الإجراءات لمواجهة خطوة الحوثيين، من أبرزها اقتصار تغطية النقد الأجنبي على البضائع التي تستورد عبر موانئ المحافظات الخاضعة للمحافظات للحكومة، مع اقتصار تخفيض رسوم التأمين على الموانئ التابعة لها، وملاحقة السفن والوكالات الملاحية محليا ودوليا التي تنتهك قراراتها.
وأقر المجلس مواصلة أعمال اللجنة الوزارية في تنظيم حركة التجارة في الموانئ بما يضمن سهولة ويسر وصول البضائع وتخفيض كلفة النقل والتأمين في موانئ المناطق المحررة، وبما يسهم في رفع كفاءة عملية نقل وإيصال البضائع والسلع المختلفة.
ووفق مسؤولين في وزارة النقل اليمنية فإن الأمم المتحدة تسعى منذ سنوات بالشراكة مع سلطات الموانئ اليمنية والقطاع الخاص وموانئ روتردام، لإيجاد حلول تسهم في خفض كلفة التأمين التي تعتبر من أعلى النسب عالمياً، بسبب مخاطر الحرب والفوضى التي تشهدها البلاد.
وطبقا لمختصين في الشؤون الملاحية، فإن هذه الحلول تشمل التواصل مع شركات التأمين البحرية العالمية لتشجيعها على خفض رسوم التأمين، عوضا عن إصلاح البنى التحتية للموانئ لتقليل الوقت اللازم والمُكلف للغاية الذي تقضيه السفن في الرصيف لتفريغ البضائع، وما يترتب على ذلك من غرامات التأخير.
وكانت رسوم التأمين البحري على السفن التجارية القادمة إلى الموانئ اليمنية المحررة، تُكلف اليمن 250 مليون دولار سنوياً، عقب تصنيف شركات التأمين العالمية الموانئ اليمنية "موانئ عالية المخاطر" وفرض رسوم تأمينية تجاوزت 16 ضعفاً عما كان عليه الحال قبل الانقلاب الحوثي، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار البضائع بشكل عام، والمواد الغذائية المستوردة على وجه الخصوص.
وحسب مختصين في وزارة النقل للحكومة المعترف بها دوليا، فإن الاتفاقية تقوم على التزام حكومي وضمانة أممية بوضع مبلغ مالي لصالح شركات التأمين، ويكون بمقدورها الحصول على مستحقاتها في حال حدوث أي طارئ من ذلك الحساب البنكي، ويقابل ذلك إلغاء مستويات متعددة من التأمين على المخاطر التي فرضت على السفن المتجهة إلى اليمن بسبب الحرب والمخاطر المرتبطة بذلك.
يأتي ذلك في ظل تراجع النشاط الملاحي للموانئ التجارية في جنوب وشرق البلاد، بشكل ملحوظ عقب تحول الحركة التجارية وعملية الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة مليشيا الحوثي، بعد قرار التحالف العربي رفع القيود المفروضة عليه في سياق البحث عن هدنة موسعة تقود البلاد إلى الحل السياسي الشامل.
> صراع محتدم.. وركود اقتصادي
تعد ميناء عدن الشريان الأساسي في العاصمة المؤقتة عدن الذي يستقبل البضائع والسلع والمشتقات النفطية التي تلبي احتياجات المواطنين، بعيدًا عن سيطرة وغطرسة ميليشيات الحوثي، ومن الطبيعي أن يتأثر الميناء بأي سلبيات أو أحداث تؤدي على خلق بيئة غير مطمئنة للتجار والمستوردين.
وفي الوقت الذي يجري الحديث عن توقيع الحكومة المعترف بها دوليا مذكرة تفاهم بينها وبين البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بشأن خفض تكلفة التأمين، اشتدت مؤخرا حالة الصراع بين الهيئة العامة لتنظيم شئون النقل البري وبين نقابة النقل الثقيل، وهو الأمر الذي بات يهدد بتعطيل ما تبقى من نشاط لميناء عدن، ويجعل أي حديث عن هذا الأمر غير ذي جدوى.
وحسب مصادر لـ(عدن الغد)، فإن الخلاف بين الطرفين حول أحقية كل طرف بتنظيم عمليات نقل الحاويات، تسبب بتعطيل عمليات النقل التي كانت تسير بصورة معتادة وسلسة خلال السنوات الماضية.
وتذكر المصادر أن كل طرف يدعي بأحقيته في جلب الشاحنات إلى الميناء ومنحها حق شحن البضائع.
وتقول الهيئة العامة للنقل البري إنها الجهة المخولة قانونا بممارسة هذا الحق فيما تدعي النقابة أنها صاحبة الحق.
ومؤخرا تعالت الدعوات الحكومية المطالبة بضرورة إنهاء هذا الخلاف الذي من شأنه أن يدفع بالكثير من التجار إلى مغادرة الميناء صوب وجهات أخرى تستفيد منها مليشيا الحوثي.
وعلى الرغم من إصدار الدولة قانونا للنقل البري رقم 33 لسنة 2003 ينظم العلاقة بين هذه الجهات وحدد المهام والاختصاصات والحقوق والواجبات لكل جهة، بما فيها وزارة النقل ممثلة بالهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري في مسألة تنظيم وتسيير العمل بهذا القانون، إلا أن الصراع ما يزال محتدما منذ فبراير من العام الجاري وإلى اليوم، دون وضع حد لهذا الخلاف الذي فاقم من معاناة التجار في العاصمة المؤقتة عدن.
وفي نظر مختصين اقتصاديين تمثل مضاعفة الجبايات والازدواج في الرسوم الضريبة والجمركية بين السلطات التنفيذية داخل المحافظة نفسها أو بين المحافظات اليمنية أحد أهم العوامل في زيادة الأسعار في المواد الغذائية.
كما أنها تمثل أبرز التحديات التي يواجهها القطاع الخاص التجاري في البلد، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التأمين على نقل السلع والبضائع عبر الموانئ اليمنية.
وتأتي زيارة المسؤول الأممي للعاصمة المؤقتة عدن للتوقيع على اتفاقية إطارية أولية لخفض كلفة التأمين البحري على السفن القادمة إلى الموانئ المحررة جنوب وشرقي البلاد، في إطار سعي الحكومة المعترف بها دوليا إلى تنشيط الموانئ البحرية التابعة لها.
وتبقى أهم الموانئ التي تسعى الحكومة إلى إنعاشها تجاريا هي ميناء عدن، باعتبارها واجهة البلاد التجارية والاقتصادية.