في البدء نشير إلى أن جائزة العر للإبداع وخدمة المجتمع هي جائزة أهلية، مستقلة، ومحايدة، مقدمة من أسرة آل بن شيهون الكرام، وتُمنح سنوياً منذ نسختها الأولى عام 2014م، لتشجيع وتكريم الرُوَّاد والمبدعين والموهوبين أفراداً وجهات، بهدف خدمة وتطوير بيئة المجتمع في يافع وتحقيق السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي والنهوض الحضاري. وتبلغ قيمة الجائزة مليونان ريال مع ترس الجائزة التي يُعلن عن مستحقيها سنويا في الحفل السنوي الذي يتزامن كل عام مع احتفالات يافع التقليدية بعيد الأضحى المبارك كل عام، ولم تُحجب إلا عام 2015م بسبب الغزو الثاني للجنوب من قبل قوات الاحتلال اليمني.
وكان بإمكان أسرة آل بن شيهون أن يسمون الجائزة باسمهم، وهو حق لهم، أسوة بكثير من الجوائز المحلية أو العربية التي تسمى بأسماء رعاتها..لكنهم تساموا عن الذات وأبوا إلا أن يطلقوا عليها اسماً له رنين في صفحات التاريخ وله حضوره القوي والبهي في ذاكرتنا التاريخية.. فوقع اختيارهم على اسم (العُر) تيمناً باسم جبل العزة والكرامة، جبل (العُر) لمكانته التاريخية والرمزية ليافع ولكل مناطق الجنوب في صد هجمات الزيدية خلال القرون الماضية، وصولا إلى ملحمة أول نصر عسكري في الجنوب مطلع مايو 2011 ضد الغزاة الجدد أخلاف الأسلاف الزيود الذين جثموا على كاهل هذا الجبل الشامخ بعد حرب 1994م. ولم يقبل بهم جبل العزة والكرامة وعانى من معاناته كل أهله ومحبيه الذين يأبون الضيم ويفضلون الموت على الحياه، دون الخضوع للغزاة،أسوة باسلافهم الأباة.. وحينما ضاقوا ذرعاً بالممارسات الاستفزازية اجمعوا على تحرير رمز وجودهم، كما في مأثورهم الشعبي القائل (لا العر باقي فيافع بالوجود). وعبر الشعراء عن إرادة الشعب بمخاطبة الدخيل (البلطجي) بالرحيل:
يا العر قل للبلطجي يرحل
لعا يختمها بشبازي
باسم وحدتنا وصل محتل
بالطقم والمدفع دخل غازي
واستنزف الثروات ذي حصل
من حقل بترولي ومن جازي
غيرالرحيل الان ما نقبل
ولا بنتفاوض مع نازي
نازي ومتغطرس وما يخجل
سبب لنا تخمة وحُزَّازي
وحينما تمادت قوات الاحتلال ضد أبناء المنطقة أبى جبل العر وكل حُر أن يقبلهم أو يرضى بوجودهم الثقيل، فصاح مستجيراً برجال يافع والجنوب، فسمع شاعرهم شكواه وبادره بالجواب بلسان قومه يقول:
يالعر لا تبكي ولا تشكي
الصبر منك والوفاء منِّي
اقسم برب العرش ما نخضع
لو نقتلب عالمعتدي جنِّي
لم يطُل صبر الجبل الاسطوري كثيرا، ولهذا أعد أبطال يافع العدة والعتاد ورتبوا الصفوف والأجناد بما تيسّر لديهم من زاد وزناد، وحين اقتربت الساعة صرخ شاعرهم ، أبو فاروق الطفي، مبشراً جبل"العر" باقتراب موعد النصر:
يالعر لا تأبة رجالك جاهزه
سرمد وحيد العُر مقبرة الغزاه
العهد سابق والشواهد بارزه
والمعتدي لابد ما يلقى جزاه
أبطال يافع ما بتوقف عاجزه
واليافعي عالحق ما يقبل عَزَاه
دَحن المكاتب لعشرة متناهزه
والموت عند الحر أشرف من خزاه
وفي مطلع مايو 2011م تحقق النصر المؤزر بعد ملحمة بطولية على سفح جبل العر، استمرت 12 يوماً استشهد فيها ثلاثة من الأبطال (عبدالسلام سعيد التركي المفلحي، وناصر عبدالله بن هرهرة الفر يدي وعادل حسين الصلاحي) وأصيب عدد من الأبطال، وفيها تكبدت قوات الاحتلال من الحرس الجمهوري خسائر لم تعهدها بالأرواح والمعدات وفرار قائد المعسكر مع من تبقى من الجنود تاركين خلفهم عدداً من الدبابات والمدافع والأسلحة التي غنمتها الأبطال.
وعبر الشعراء عن فرحتهم بهذا النصر المؤزر، فهذا زامل للشاعر علي الطفي ابو صلاح يخاطب فيه جبل العر:
يا عُرنا لنصب غبي من يجهلك
أو يحسبك ريشة يحركها الهبوب
العُر يافع من يعاديها هلك
يكفي شرف تحريرها ارض الجنوب
إسأل على جدك وفتش دفترك
كيف استوت في بطنها تلك الحروب
واسأل حماط الموت هو من يخبرك
من حومها صخر الجبل ظلّي يذوب
وتجاوب معه الشاعر حسن ذيبان فقال مخاطباً جبل العُر:
يا عُر يافع كلنا منك ولك
يا ذي قرونك بالقمر سوت ثقوب
نجمي الاسد حتى ولا دار الفلك
باب اليمن حافظ مداخلها غيوب
والمعركة يا ذي نسيت المعترك
من درب ذي ناعم ركبناها ركوب
تحتك بَرَكْ ذي قط ما عُمْرُه بَرَك
ليلة كشفنا سر صنعاء والعيوب
ونختتم بأبيات الشاعر أبو فارس الرشيدي، يقول:
بَسْلُك أنا من حيث ما جَدِّي سلك
قدنا كذا دايم مدرب عالحروب
الضاهر انه ياعلي دار الفلك
نرجع كما كنا على فتنه وحوب
كان الامام احمد وجاء عبد الملك
إما يسلم بالرضا والاَّ يتوب
ختاماً نتوجه بالشكر والتقدير لرعاة هذه الجائزة الأهلية من آل بن شيهون الكرام وعلى رأسهم الأخ عبدالرحمن عبدالقوي بن شيهون رئيس الجائزة والأخ محمد حسين بن شيهون أمين عام الجائزة وبقية إخوانهم من آل بن شيهون على تخصصيهم هذه الجائزة التشجيعية واستمراريتها لدعم الإبداع والمبدعين في مختلف المجالات في ظل غياب الدولة، فحلوا محلها بمبادرتهم الكريمة التي نتمنى أن يقتدي بها رجال المال والأعمال في يافع وفي غيرها..فلهم خالص التقدير والاحترام..
من: علي صالح الخلاقي