حين يتغلغل الشر في النفوس، وتهيمن الأنانية على القلوب، وتنتشر الهمجية في السلوك، لا يكون الفساد مجرد خطأً عابر، بل يصبح ثقافة تهدم المجتمعات وتقوّض أركان الدول، وما بين مستبد يتسلط بلا رحمة، أي مستبد كان، كان مسئولاً او تاجراً او رجل اعمال او رجل فكر او سياسي او ماكان، فالمسؤول يحيط نفسه ببطانة سوء، تتوالى الكوارث، وتتراكم الأزمات، ويتحول الوطن إلى مسرح للفوضى والدمار،
والتاجر يحيط نفسه ببطانة الجشع والكسب الغير مميز أمِن حلال أم من حرام، فيعيث في الارض الفساد، وهكذا وغيره، فجميعهم مصدرهم واحد الأنانية والهمجية والاستبداد، الانانية.. داء المجتمعات القاتل، الانانية ليست مجرد صفة شخصية مذمومة، بل هي أصل كل فساد، وجذر كل خراب،
حين يقدم الإنسان مصلحته على مصلحة الجماعة، فإنه لا يتردد في خيانة المبادئ والقيم، ولا يبالي إن احترقت الأرض من تحته ما دام هو آمناً في برجه العاجي، فترى المسؤول يستأثر بالمناصب والغنائم، والتاجر يحتكر قوت الناس، والمتعلم يكتم العلم، وكلٌ يعمل لهواه، حتى تتحول المجتمعات إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف،
والهمجية.. حين تحكم الفوضى، اما الهمجية، فهي الوجه الآخر للأنانية، إذ إن من لا يرى إلا مصلحته، لا يعترف بقوانين ولا يحترم نظماً، فتراه يسير بعقلية "أنا ومن بعدي الطوفان"
يصرخ، يهدد، يبطش، ولا يعرف للحوار أو الحكمة سبيلاً، ومن هنا تأتي الأزمات: في الشوارع، في الأسواق، في الدوائر الحكومية، في السياسة والاقتصاد، لأن الكل يريد أن يفرض منطقه بالقوة، ولو أدى ذلك إلى هدم البنيان فوق الجميع، استبداد طاغي، اما الاستبداد.. الكارثة الكبرى، فحين تتربع الأنانية والهمجية على عرش الحكم، يولد الاستبداد، فيتحول المسؤول من خادم للشعب إلى سيد عليهم، ومن راعٍ لمصالحهم إلى ناهب لحقوقهم، ومن رجل دولة إلى جلاد لا يسمع إلا صوت بطانته، ولا يرى إلا مصلحته، ولا يبالي إن غرقت الأمة في بحر من الظلمات، فالبطانة.. المحور الذي يدور حوله المسؤول،
وهنا يكمن جوهر القضية: البطانة فالمسؤول، أياٍ كان، لا يعمل في فراغ، بل تحيط به مجموعة من المستشارين والمساعدين، إما أن يكونوا مصدراً للنور، فيدلوه على الخير، أو يكونوا مصدراً للظلام، فيزينوا له الباطل، ويدفعوه إلى الاستبداد والطغيان، وكم من قائد سار في طريق الهلاك لأن بطانته لم تكن سوى مجموعة من الوصوليين والانتهازيين الذين لم يهمهم إلا مصالحهم،
لذلك فالطريق إلى النجاة، والخلاص للمجتمعات، لا يكون إلا بالتخلص من هذه الآفات الثلاث:
محاربة الأنانية بنشر ثقافة الإيثار والتضحية، وتعزيز روح الجماعة، القضاء على الهمجية بغرس قيم الحوار والتفاهم، وتعليم الأجيال معنى النظام والانضباط، هدم الاستبداد بفرض الرقابة الشعبية، وتعزيز الشفافية، واختيار بطانة صالحة، لا تخاف في الله لومة لائم، فالمجتمع كالبنيان، إن ساد فيه العدل، ثبتت أركانه، وإن تفشت فيه الأنانية، والهمجية، والاستبداد، انهار على رؤوس الجميع، ولن ينجو منه أحد،
فلننظر لا نفسنا اولاً اين نحن من هذه الثلاث ليسود العدل والامن والاستقرار، ونعمل جميعاً علي تصحيح المسار .