تتداخل السياسة الأمريكية مع التحديات الأمنية والإنسانية في اليمن من خلال سلسلة من العقوبات التي تستهدف حركة الحوثيين، الجماعة المدعومة من إيران والتي أصبحت لاعبًا رئيسيًا في الصراع اليمني. شهدت هذه السياسات تحولات ملحوظة بين إدارة ترامب وإدارة بايدن، وصولاً إلى التصعيد الجديد في عام 2025، مما يعكس تناقضات في الأهداف والاستراتيجيات وتأثيرها على الوضع الإقليمي والدولي.
أولاً: عقوبات ترامب في فترته الأولى
في السنوات التي سبقت عام 2021، اتبعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منهجًا صارمًا تجاه الحوثيين، حيث تم تصنيفهم رسميًا كـ”منظمة إرهابية أجنبية” (FTO). جاء هذا التصنيف في إطار جهود الولايات المتحدة لقطع مصادر التمويل عن الجماعة، عبر تجميد أصول قياداتها وتعطيل شبكات التمويل والتهريب التي كانت تمول عملياتها العسكرية. استهدفت العقوبات القدرة على شراء الأسلحة والخدمات اللوجستية، مما أسهم في تقويض كفاءة الحوثيين في شن الهجمات على المنشآت المدنية والمصالح الحيوية، خاصة في مجال الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.
ثانياً: سياسات بايدن والتوازن بين الضغط والإنسانية
مع تولي جو بايدن الرئاسة، اتخذت الإدارة خطوات لإعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه الحوثيين. فقد تم رفع التصنيف الأصلي للجماعة، مدعومًا بمبررات إنسانية تهدف إلى تخفيف معاناة المدنيين في اليمن، حيث أدت العقوبات الصارمة سابقًا إلى عرقلة وصول المساعدات الغذائية والطبية إلى المناطق المتضررة. بدلاً من التصنيف الشامل الذي ينطوي على تجميد كافة التعاملات، تم اختيار تصنيف “الإرهابيين العالميين المحددين بشكل خاص” (SDGT) الذي يستهدف أفرادًا وكيانات محددة مع السماح بمرونة أكبر لاستمرار المساعدات الإنسانية، مما ساعد على تخفيف الأزمة الإنسانية دون التنازل عن أهداف الضغط السياسي.
ثالثاً: التصعيد الجديد في عام 2025 – عودة ترامب إلى النهج الصارم
في عام 2025، شهدت السياسة الأمريكية تحولًا حادًا مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى أسلوبه السابق عبر إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) بشكل موسع. جاء هذا القرار كرد فعل على تزايد الهجمات التي شنتها الجماعة على السفن التجارية والمصالح العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر. ومن بين الإجراءات الجديدة:
• توسيع نطاق العقوبات: تم تجميد أصول القيادات والكيانات المالية المتورطة في دعم الحوثيين، مع مراقبة دقيقة للشحنات البحرية لمنع تمرير الأسلحة.
• إعادة تقييم الشراكات الدولية: فرضت التوجيهات على مراجعة شاملة للعلاقات مع الشركاء والمنظمات العاملة في اليمن، مع إنهاء التعاون مع الجهات التي قد تسهم في تمويل الجماعة.
• التصعيد السياسي والاقتصادي: تم تكثيف الضغط على إيران، المصدر الرئيسي للدعم العسكري للحوثيين، بهدف الحد من قدراتها على تزويد الجماعة بالأسلحة والتكنولوجيا.
رابعاً: ما العمل لخدمة اليمن كسلطة شرعية وتكتل وطني للأحزاب؟
في ظل التقلبات السياسية والأمنية التي يشهدها اليمن، يظهر جليًا أن الحلول العسكرية والاقتصادية وحدها لا تكفي لإحلال الاستقرار والنهوض بالوطن. ولذا، يجب على السلطة الشرعية وتكتل الأحزاب الوطنية تبني رؤية استراتيجية شاملة ترتكز على عدة محاور رئيسية:
1. تعزيز الوحدة الوطنية:
ضرورة توحيد الكوادر السياسية والقيادية في جميع مناطق اليمن حول رؤية مشتركة للتنمية والاستقرار. يجب عقد حوارات شاملة مع جميع الفصائل السياسية، مع ضمان تمثيل عادل يحقق توازن القوى ويضع مصلحة اليمن فوق كل اعتبار.
2. تفعيل الدور الدبلوماسي والتواصل الدولي:
يجب تكثيف الجهود الدبلوماسية للتواصل مع الجهات الدولية والإقليمية، خاصة الدول الداعمة للمشروع اليمني الشرعي، لتأمين الدعم السياسي والاقتصادي الذي يعزز موقف اليمن على الساحة الدولية.
3. إصلاح المؤسسات الوطنية:
العمل على بناء جهاز حكومي شفاف وكفؤ يشمل إصلاح النظام القضائي ومكافحة الفساد، مما يخلق بيئة استثمارية وتنموية تضمن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وتحقيق التنمية المستدامة.
4. تطوير البنية التحتية وإعادة الإعمار:
يجب وضع خطط وطنية لإعادة الإعمار تشمل جميع القطاعات الحيوية؛ من الصحة والتعليم إلى النقل والطاقة، لضمان استقرار الاقتصاد الوطني ورفع مستوى معيشة المواطنين.
5. تنمية الحوار السياسي:
ضرورة تفعيل آليات الحوار والتفاوض مع جميع الفصائل السياسية والجهات المجتمعية، بما يضمن وضع آلية سياسية شاملة لإنهاء الأزمة الداخلية وتحقيق المصالحة الوطنية، مستفيدين من خبرات المجتمع الدولي.
6. التنسيق مع القوى الأمنية والعسكرية:
يتعين تنسيق الجهود مع الجهات الأمنية والجيش لتأمين الحدود وحماية المنشآت الحيوية، مع ضمان احترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء.
7. تعزيز الشراكة مع المجتمع المدني:
يجب إشراك المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية في عملية اتخاذ القرار ومراقبة التنفيذ، ما يعزز الثقة بين الحكومة والشعب ويضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والتنموية.
في خضم التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه اليمن، تشكل العقوبات الأمريكية على الحوثيين محورًا رئيسيًا في ساحة الصراع الإقليمي. ومع ذلك، فإن نجاح هذه السياسات لا يعتمد فقط على الإجراءات الخارجية، بل يتطلب أيضًا جهودًا وطنية حقيقية لخدمة اليمن على جميع الأصعدة. إن تعزيز الوحدة الوطنية وإصلاح المؤسسات وبناء جسور الحوار مع القوى السياسية المختلفة يُعد الخطوة الأساسية لتحقيق السلام والاستقرار. وفي هذا السياق، يظل دور السلطة الشرعية والتكتل الوطني للأحزاب محوراً رئيسياً يقود العملية السياسية نحو مستقبل يضمن العيش الكريم والتنمية الشاملة لجميع أبناء الوطن.
بهذا، ندعو جميع الجهات الوطنية والدولية إلى التعاون المشترك لتفعيل هذه الخطوات وإرساء قواعد حقيقية للسلام والتنمية في اليمن، بما يضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار ويحقق رؤية وطنية شاملة ومستدامة.