حين يخترق المال المشبوه أبواب الجبهات، تتحول الحرب من جهاد إلى سلعة، ومن دفاع إلى تجارة. تصبح العلاوات ميزانآ للمصلحة،لاميزانآ للعمل وتقديرآ للواجب، تصرف حيثما درت الدراهم، وتصمت حين يكون الصمت مكسبآ يبدو الأمر وكأنه مسرحية متقنة الإخراج، حيث يتقمص البعض دور المجاهد المغوار، فيما تتكدس ثرواتهم بعيدا عن الأنظار.
يرفعون راية الجهاد بينما تمول مجالسهم من جيوب الغافلين، ويصنعون لأنفسهم هالة من القداسة، تمنع العوام من التشكيك في مصادر أموالهم.
يتسلل المال المشبوه كالأفعى نافثا سمه في شرايين الافراد، مغذيا نيران التمرد، وراسما بأيد خفية خرائط الخراب.
إنها ليست مجرد علاوات، بل لعنات تسيل دماء حين يوظف في دروب الظلام. تنسج به المؤامرات، وتشترى به الأيدي المرتعشة، تمول به الأجساد المفخخة، فيتحول من وسيلة للجهاد والتحرير إلى أداة للفناء. وتحت ستار الشعارات، تمرر الأكياس السوداء، تغسل الأموال كما تغسل العقول، ويباع الخوف في أسواق المصالح الرخيصة.
تلك الأموال، التي تأتي من منابع الضلم من دماء الضحايا من قوت اولادهم، تجد طريقها إلى العقول العطشى، فتشتري الولاءات، وتغذي الأحقاد، وتعيد تشكيل الفكر ليصبح وقودا لحروب لا تنطفئ. تندس تحت غطاء الفساد، تصبغ بالشرعية، لكنها تحمل في طياتها أهدافا مسمومة، تدفع بالشباب إلى هاوية العنف، حيث تباع الأحلام ويشترى الموت بثمن بخس.