آخر تحديث :الإثنين-31 مارس 2025-09:32م

أزمة الغاز تخنق تعز

الأربعاء - 19 فبراير 2025 - الساعة 09:47 ص
محمد العنبري

بقلم: محمد العنبري
- ارشيف الكاتب


تعز تختنق مجددا تحت وطأة أزمة غاز حادة تتزامن مع قرب شهر رمضان فتزداد المعاناة وتتضاعف المشقة وكأن قدر هذه المدينة أن تعيش في أزمات لا تنتهي تتجدد مع كل مناسبة وتتصاعد مع كل حاجة فمنذ سنوات والحياة في تعز لم تعرف الاستقرار فالكهرباء منقطعة والمياه شحيحة والطرقات مدمرة والمرتبات لا تكاد تكفي لسد الرمق ومع ذلك يتجاوز الناس كل هذه الكوارث بصبر لا مثيل له لكن حين يصل الأمر إلى لقمة العيش والطعام الذي يحتاجونه كل يوم تصبح المعاناة أشد إذ لا يمكن تجاوزها بالصبر وحده فكيف يمكن لأسرة أن تطبخ طعامها بلا غاز وكيف يمكن لمدينة بأكملها أن تعيش تحت رحمة أزمة لا يجد المسؤولون أي حرج في تجاهلها أو التلاعب بها

طوابير طويلة تمتد في الأحياء يخرج الناس منذ الفجر للبحث عن أسطوانة غاز يدورون في الأسواق يقفون أمام محلات التوزيع ينتظرون تحت الشمس يتفاوضون يتوسلون يتشاجرون يعودون إلى بيوتهم أحيانا بلا شيء تتوقف المطاعم تتعطل الأفران تضطر الأسر إلى البحث عن بدائل فمنهم من عاد إلى الحطب بعد سنوات من التخلي عنه ومنهم من يستخدم الكيروسين إن وجده ومنهم من يشتري الغاز بأسعار مضاعفة من السوق السوداء التي تنتعش كلما اختفى الغاز من نقاط البيع الرسمية وكأن هناك من يدير الأزمة بعناية ليزيد من معاناة الناس بينما تظل الجهات المسؤولة غائبة عن المشهد كليا.

لا أحد يقدم تفسيرا واضحا لما يحدث الجهات المعنية تتبادل الاتهامات شركة الغاز تتحدث عن حصص محدودة تصل إلى المدينة والسلطة المحلية تلقي باللوم على الجهات العليا والتجار يستغلون الفرصة لرفع الأسعار والمواطن هو الضحية يدفع ثمن الفساد يدفع ثمن الفشل يدفع ثمن الحرب التي لم تبقِ له شيئا فمنذ سنوات طويلة وتعز تعيش بلا دولة حقيقية كل الخدمات الأساسية شبه معطلة الطرقات تتحول إلى حفر المياه تصل بقطرات الكهرباء حلم بعيد المنال والآن يأتي الغاز ليضاف إلى قائمة الأزمات المتكررة وكأن المدينة كتب عليها أن تعيش في حالة دائمة من الحرمان.

في كل أزمة يظهر تجار الحروب والأزمات يتلاعبون بالأسعار يخلقون الأزمات ثم يستثمرون فيها يبيعون الغاز بأسعار خيالية بينما المواطن الذي بالكاد يجد قوت يومه يجد نفسه مضطرا لدفع مبالغ مضاعفة ليحصل على شيء كان من المفترض أن يكون متوفرا بالسعر الرسمي لكن من يسأل عن السعر الرسمي حين تغيب الدولة من يسأل عن القوانين حين يصبح القوي هو من يتحكم في كل شيء الغني يشتري ما يحتاجه دون أن يشعر بأي مشكلة أما الفقير فيقف عاجزا يراقب أطفاله جائعين ولا يجد حلا سوى الصراخ لكن من يسمع صراخ الجياع في مدينة اعتادت السلطات أن تتجاهل معاناتها.

هذه ليست الأزمة الأولى ولن تكون الأخيرة فمنذ سنوات وتعز تعيش تحت رحمة الفوضى لا أحد يتحمل مسؤولية ما يحدث لا أحد يبحث عن حلول حقيقية المواطن وحده هو من يتحمل العبء وحده من يدفع الثمن وحده من يحاول البقاء رغم كل هذه المآسي لكنه إلى متى يستطيع التحمل إلى متى سيظل يبحث عن أبسط حقوقه وكأنها امتيازات إلى متى سيبقى المسؤولون في مواقعهم دون أن يشعروا بمعاناة الناس إلى متى ستظل الأزمات تتكرر وكأنها قدر محتوم لا مفر منه.

شهر رمضان على الأبواب والناس بحاجة إلى حلول عاجلة بحاجة إلى توفير الغاز بأسعار معقولة بحاجة إلى توزيع عادل بحاجة إلى رقابة صارمة تمنع التلاعب بحاجة إلى دولة حقيقية تشعر بمسؤوليتها تجاه مواطنيها لكن هل يمكن تحقيق ذلك في ظل هذا الواقع القاتم أم أن الأزمة ستستمر وستتحول الأيام القادمة إلى معاناة أشد وهل سيتكرر المشهد كل عام حيث يقترب رمضان فتتجدد الأزمة وتتكرر الطوابير وتظل الوعود حبرا على ورق بينما الحقيقة الوحيدة التي لا تتغير هي أن المواطن وحده من يدفع الثمن دائما.