آخر تحديث :الإثنين-31 مارس 2025-09:32م

الشرعية بين تراكم الأخطاء والانهيار الحتمي

الأحد - 09 فبراير 2025 - الساعة 08:14 ص
محمد العنبري

بقلم: محمد العنبري
- ارشيف الكاتب


الشرعية التي لا تتعلم من أخطائها ولا تصحح مسارها تظل رهينة السقوط حتى وإن بدت صامدة في ظاهرها فالأخطاء حين تتراكم واللامبالاة حين تصبح نهجا فإن النتيجة لن تكون سوى انهيار لا مفر منه وهذا ما نشهده اليوم بوضوح في واقعنا المتأزم فالعملة الوطنية تتهاوى أمام أعين الجميع والدولة تقف متفرجة وكأن الأمر لا يعنيها والتجار يرفعون الأسعار بلا رحمة والمواطن يسقط بين سندان الغلاء ومطرقة انعدام الدخل فلا أحد يشعر به ولا أحد يكترث لمأساته وكأن هذا الشعب الذي قدم التضحيات الجسام مجرد أرقام في معادلة سياسية عبثية لا قيمة لها ولا وزن

الأزمة الاقتصادية لم تأتِ من فراغ ولم تكن وليدة اللحظة بل هي نتاج أعوام من الفساد وسوء الإدارة والانشغال بالمصالح الشخصية والمعارك الجانبية بينما القضايا الجوهرية مهملة ومتروكة للحظوظ والصدف وكأننا في دولة لا تخضع لأي قوانين اقتصادية أو معايير إدارية أو حتى أخلاقية فالموارد التي يفترض أن تكون حائط الصد الأول أمام الانهيار تذهب في اتجاهات غير معلومة والعائدات التي يمكن أن تُوظف في إنقاذ الوضع تستنزف في بنود لا يعرفها أحد وحين يصل الوضع إلى حد لا يطاق تخرج التصريحات الجوفاء لتخبرنا أن هناك حلولاً قادمة وأن المستقبل سيكون أفضل بينما الواقع يسير في اتجاه معاكس تماما

كيف يمكن أن يستقيم وضع اقتصادي في ظل هذا التسيب كيف يمكن أن تتعافى العملة إذا كانت السلطة عاجزة حتى عن توحيد الموارد وكيف يمكن أن نصنع استقرارا وهناك من يستفيد من الفوضى ولا يريد لها أن تنتهي كل الأسئلة مشروعة والإجابات غائبة أو مغيبة عمدا فحين يكون همّ المسؤول هو البقاء في منصبه وحين يكون تفكير الحكومة منصبا على كيفية تجاوز الأزمات إعلاميا وليس عمليا فليس مستغربا أن نصل إلى هذا المستوى من الانهيار وليس مستبعدا أن تتواصل حلقات السقوط حتى لا يبقى شيء يمكن أن نسميه دولة

الناس لم يعودوا يثقون بالوعود الكاذبة ولا التصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع المواطن يريد حلا حقيقيا يريد أن يرى إصلاحات جادة لا مجرد ترقيعات مؤقتة يريد أن يشعر أن هناك من يهتم لأمره لا أن يبقى في دوامة الخوف من الغد وما يحمله من كوارث جديدة فالمرتبات التي لم تعد تكفي لسد رمق الحياة أصبحت مجرد أرقام بلا قيمة في ظل الغلاء الفاحش والأسواق التي تزداد توحشا والاحتكار الذي يمتص آخر ما تبقى من قدرة شرائية لدى المواطنين وما يزيد الطين بلة أن الدولة نفسها تتصرف وكأن هذا الوضع طبيعي وكأنها غير معنية بإيجاد حلول جذرية توقف هذا النزيف المستمر

ما يحدث اليوم هو انهيار متسارع لكل شيء وليس للعملة وحدها الدولة نفسها تفقد تماسكها ومؤسساتها تصبح أكثر هشاشة والناس يصلون إلى مرحلة اليأس المطلق وحين يفقد الشعب أمله في دولته فلا شيء يمكن أن يعيده إلى مربع الثقة مجددا هذا ليس مجرد تهويل بل هو توصيف لواقع يتحدث بنفسه فما كان ينظر إليه كتحذيرات أصبح اليوم حقيقة نعيشها بل ونختنق تحت وطأتها يوما بعد آخر

إن لم تدرك الشرعية أنها تسير على أرضية رخوة فإن السقوط سيكون حتميا وإن لم تراجع حساباتها فإن القادم سيكون أسوأ بكثير مما نراه الآن لا تزال هناك فرصة للإنقاذ لكنها تتضاءل مع كل يوم يمر دون اتخاذ قرارات مسؤولة وتدابير تعيد التوازن للعملية الاقتصادية لا تزال هناك فرصة لكن لا أحد يعلم إلى متى ستظل قائمة قبل أن يفوت الأوان.