آخر تحديث :الخميس-10 أبريل 2025-02:00م

كلنا محاصرون بين صهيونية الاحتلال وحوثية الانقلاب

الخميس - 19 ديسمبر 2024 - الساعة 09:08 م
صفوان سلطان

بقلم: صفوان سلطان
- ارشيف الكاتب


في غزة، تلك البقعة الصغيرة التي تُزاحم حدودها أحلام كبيرة، يدور المشهد منذ أربعة عشر شهراً كأن الزمن توقف عند صوت القذائف وألم الحصار. الاحتلال الإسرائيلي يُمعن في سحق الحياة تحت أقدامه الثقيلة، يُدمر البنية التحتية، ويخنق أرواح مليوني إنسان في أكثر مناطق العالم اكتظاظًا. معابر مغلقة كأبواب الأمل، ودواء غائب كرحمةٍ ضلت طريقها، وغذاء مفقود كابتسامة طفل في زمن الحرب. منازل تتحول إلى رماد، وأطفال يتشبثون بالحياة بين أكوام الركام، وكأن غزة باتت مسرحًا مفتوحًا للموت.




لكن هناك، في اليمن، تتبدل الأدوار ليصبح القاتل قريبًا، يرتدي ملامحًا مألوفة، ويطعن الوطن من داخله. منذ أكثر من عقد، يعيش اليمنيون في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي حصارًا أشد وقعًا، لأن اليد التي تمتد لخنقهم هي يد ابن جلدتهم.




الميليشيا الحوثية، كطفيليات التهمت جسد الدولة، فرضت على اليمنيين جبايات قسرية تنهب ما بقي في جيوبهم. أكثر من 90% من سكان مناطق الحوثي تحت خط الفقر، وفق تقارير المنظمات الدولية، بينما تتراكم ثروات قيادات الميليشيا على حساب أرواح شعبها. المدارس، التي كانت يومًا منارات للعلم، أصبحت بؤرًا للجباية تحت شعارات مثل “دعم التعليم”، أما المرتبات فغائبة، كأن الدولة باتت ذكرى غابرة.




كأن المشهد لوحة مأساوية تُعيد رسمها طاحونة الأزمات. أساتذة الجامعات، الذين كانوا أعمدة العلم، أصبحوا اليوم يبيعون الخبز أو يعملون في مهن بسيطة لإطعام عائلاتهم. التعليم بات رفاهية، والدواء حلمًا مستحيلًا، والمواطن اليمني يدور في دوامة من اليأس.




وكما يفعل الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، تُكرر ميليشيا الحوثي ذات السيناريو: تدمير المنازل وتسويتها بالأرض. لكنها تجاوزت كل الحدود حين فجرت منازل بداخلها نساء وأطفال. هي قسوة تفوق كل وصف، إرهابٌ يجعل من الحوثي وجهًا أشد بشاعة من الاحتلال.




ما يجعل الجرح أعمق في اليمن هو أن الجلاد ليس غريبًا. طعنة القريب أكثر إيلامًا وأشد وقعًا. وبينما تُعلن ميليشيا الحوثي نصرتها لفلسطين، تُمعن في قتل اليمنيين وتجويعهم، وتمنع حتى شريان المساعدات الدولية من الوصول إليهم. أما تلك الصواريخ التي تزعم أنها تُطلقها نحو الاحتلال، فلا تُصيب إلا الفراغ. مجرد ألعاب نارية تهدف إلى تضليل الرأي العام، وتقديم ذرائع كاذبة.




ما يفعله الحوثي ليس سوى محاولة للهروب إلى الأمام، يرسم بألعاب الصواريخ العبثية مشهدًا مسرحيًا يهدف لتضليل الحقيقة. لا تُطلق تلك الصواريخ لنصرة غزة، بل لتأمين قصة مظلوم زائفة سيرويها لاحقًا عندما يتحرك الشعب اليمني لاستعادة وطنه وكرامته ومقدراته المنهوبة. الحوثي، التابع لإيران، يدرك جيدًا أن أيامه باتت معدودة، فيحاول إقناع العالم أن من يقاومه عميل، وأن الحرب ضده بسبب موقفه “المزعوم” تجاه القضية الفلسطينية. مشهد هزلي متقن، لكنه لا يُخفي جرائمه أو يُبيِّض صفحته السوداء.




بالأمس فقط، أعلن الاحتلال الإسرائيلي أن الحوثيين أطلقوا صاروخًا على الأراضي المحتلة. والنتيجة؟ إصابة شخص واحد. وفي المقابل، جاء الرد الإسرائيلي كعاصفة على الشعب اليمني: قصف ميناء الحديدة المدني، وتدمير خزانات الوقود، ومرافق الكهرباء، والبنية التحتية. الرسالة واضحة: “اضربوا الفراغ، لكن لا تقتربوا من الكيان”.




إلى الفلسطينيين الشامخين في زمن الانكسار:


نحن معكم بقلوبنا، نعيش ألمكم ونشعر بمعاناتكم. لكن لا تنتظروا دعمًا حقيقيًا من ميليشيا احترفت سحق أبناء وطنها. الحوثي ليس نصيرًا للحرية، بل هو وجه آخر للاستبداد الذي تعرفونه جيدًا.




إلى أحرار العالم:


الإرهاب لا يحرر الأرض، ولا يدافع عن القيم. ميليشيا الحوثي والاحتلال الإسرائيلي وجهان لعملة واحدة، قوامها القهر والاستبداد.




في زمن تتشابك فيه خيوط المآسي، تظل الحقيقة جلية: الجلاد واحد، وإن اختلفت الأقنعة.