يحتفل شعب الجنوب هذه الأيام بالذكرى ال(56) للاستقلال الوطني الأول ال(30)من نوفمبر1967م ،حيث خاض شعب الجنوب كفاحاً مسلحاً استمر لأكثر من اربعة اعوام متواصلة من اجل نيل حريته واستقلاله ،قدم طيلة تلك السنوات تضحيات جسام من خيرة رجاله وشبابه، حتى تمكن من انتزاع حريته و استقلاله انتزاعاً من المستعمر البريطاني ،يوم ال(30)من نوفمبر1967م.
لكن الأخطاء التي حصلت بعد انتصار الثورة كانت كارثية، وادت في نهاية المطاف الى ضياع الدولة الجنوبية المستقلة.
من هنا نقول ان ضياع الدولة الجنوبية المستقلة ،ومحوها من على الخريطة ،ومحو هوية شعبها لم يكن من أخطاء الثورة ابداً، ولم تكن تلك الصراعات ودورات العنف المختلفة التي مر بها الجنوب ومرافقها من تصفيات جسدية لخيرة القيادات والكوادر الجنوبية في مختلف المجالات ،طيلة العقدين التي سبقت ،،وحدة الضم والالحاق،، لم تكن اقتتالاً اهلياً بين أبناء الجنوب، او صراعاً طبقياً وايدلوجياً، كما صوره مفكري ومخططي مشروع الضم والالحاق في تلك الفترة لعامة الناس في الجنوب ،عبر وسائلهم الإعلامية المختلفة ،والبسوه كل تلك المسميات المختلفة وبما يتناسب وطبيعة المرحلة ،بل كان صراعاً بين من نزحوا من أبناء الجمهورية العربية اليمنية الى عدن وبعض المناطق المجاورة لها هرباً من ظلم الامامة ومن جحيم الحرب المشتعلة بين الملكيين والجمهوريين ،منذ نهاية الخمسينات ومطلع ستينيات القرن الماضي وما تلى ذلك من نزوح يمني بعد استقلال الجنوب ،وبين أبناء الجنوب وقياداتهم الشابة ،الرافضة لمحو الهوية الجنوبية و لذلك الضم والالحاق، حيث أصبحت اتفاقية الاستقلال التي تم التوقيع عليها في جنيف يوم 29نوفمبر1967م بمثابة بيان دستوري للدولة المستقلة، ولم يتم الاتفاق على اصدار اول دستور للبلاد الا بعد ثلاث سنوات كاملة بسبب الخلاف على هوية الدولة الوليدة التي تم تغيير هويتها في اتفاقية جنيف ،ولم يتم اصدار اول دستور للبلاد إلا في نوفمبر1970م،بعدما تم إزاحة الرئيس قحطان محمد الشعبي من رئاسة الدولة وفيصل عبداللطيف الشعبي من رئاسة الحكومة، وطابور طويل من قيادات الصف الأول في الجبهة القومية وتصفية واقصاء اهم الكوادر المتنورة في كل أجهزة الدولة المدنية والعسكرية بما فيهم تلك الكوادر المنتمية للجبهة القومية نفسها والتي كانت مواقفها متباينة او رافضةً لتثبيت الهوية اليمنية في وثيقة اول دستور للبلاد، ولمجمل تلك السياسات والتدابير التي اتخذت بعد يونيو1969م، وهذا هو جوهر المشكلة والتشخيص الحقيقي لها ،ولولا تلك الاحداث والتصفيات الجسدية التي استهدفت فقط القيادات الجنوبية منذ الاستقلال عن بريطانيا في ال(30) من نوفمبر1967م وحتى (22) مايو1990م.
وفتح حدود الدولة الجنوبية على مصراعيها امام أبناء الجمهورية العربية اليمنية، والاستيطان فيها واعتبارهم مواطنين كاملي المواطنة بمجرد دخولهم أراضي الدولة الجنوبية، ولهم كامل الحقوق والواجبات التي يتمتع بها مواطني الدولة الجنوبية، لما تم ظم والحاق الجنوب الى الجمهورية العربية اليمنية، فالضم والالحاق ،كان نتيجة للاستيطان اليمني في الجنوب ومحو الهوية الجنوبية، واحلال الهوية اليمنية بديلاً لها، وليس العكس ،ولن تزول هذه النتيجة الا بزوال السبب أولا، لذلك فإن معاناة شعب الجنوب لم ولن تنتهي ابدا، الا باستعادة دولته الجنوبية المستقلة ،وعلى أبناء الجنوب جميعاً وفي مقدمتهم جيل الشباب معرفة كل تفاصيل تلك المرحلة وكيف ضاعت بلادهم؟ وفهمها واستيعابها بشكلها الصحيح ،اذا ما أرادوا اختصار الطريق لاستعادة دولتهم المستقلة.
وعليهم ان يعوا تماماً ان استمرار سيطرة الجنوبيين المنتمين (لتيار اليمننة)على المشهد السياسي الجنوبي حتى يومنا هذا، يجعل من المستحيل استعادة الدولة الجنوبية المستقلة، فمثلما كانت مهمتهم بالأمس الحاق وظم الجنوب الى الجمهورية العربية اليمنية، فإن مهمتهم اليوم هي الحفاظ على هذا الظم والالحاق، حيث لازالوا يعتبروا ذلك من منجزاتهم ،،التاريخية،، التي حققوقها اثناء حكمهم ل(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).
ان الغاء الاخر وسوء الاختيار للعديد من القيادات والتفرد بالقرار من المشاكل الاساسية التي عانينا منها في الماضي كثيراً ولازلنا نعاني منها حتى يومنا هذا.
وبمناسبة الذكرى ال(56)للاستقلال الوطني الاول، ال(30)من نوفمبر1967م،فإننا ندعوا كل النخب السياسية التي تتصدر المشهد السياسي الجنوبي اليوم بالاستفادة من كل اخطاء الماضي واخذ الدروس والعبر منها، وعدم تكرارها وعدم ادخال شعب الجنوب في تجربة جديدة ويكفيه ما دفع من ثمن باهض من جراء تلك التجارب السابقة والتي كانت سبباً في ضياع الجنوب ارضاً وشعباً وهوية.
تحياتي لكم ودمتم سالمين