تعد مهنة الطب مهنة إنسانية، وأخلاقية، وعلمية، عرفها الإنسان منذ أن أحسّ بوجوده على هذه الأرض، نظراً لارتباطها المباشر بحياته، وتخفيف آلامه ومتاعبه، وصار لزاماً على كل من يمارسها أو ينتمي إليها أن يحترم الإنسان وإنسانيته بمختلف الأحوال والظروف.
من المعروف أن لكل مهنة من المهن قواعد، ومبادئ، وأخلاقيات، وآداب تحكم العمل والسلوك فيها، وهذا ما ينطبق على مهنة الطب، وقوة الالتزام الأدبي، والمهني تكسبها قوتها، واحترامها، وأدائها العالي، وتجنب الأخطاء والتجاوزات المسيئة لأفرادها، أو للأشخاص الذين تستهدفهم هذه المهنة.
ولما كانت الأخلاق هي الروح التي تتمخض عنها كل الفضائل فلا يمكن أن تستقيم حياة الناس، وعلاقاتهم الاجتماعية بمعزل عنها لذلك شدّدت الأديان السماوية والفلسفية على أهميتها، فقدّست قيم الرحمة، والصدق، والأمانة، والمروءة، والإخلاص في العمل وقبحت الرذائل كالظلم، والكذب، والنفاق، والطمع، والخيانة، نظراً لمخرجاتها التدميرية والكارثية للإنسان والمجتمع.
و يؤسفنا اليوم أن نعيش هذا الوضع المأساوي، ونرى ونسمع عن ظواهر دخيلة وشاذة على مهنة الطب وتحويلها إلى جسر للمكاسب المادية، ما يُدمي له كل ضمير حيّ من سلوكيات واستغلال بشع لآلام ومتاعب الناس بحجة الغلاء والتحولات الاجتماعية المتسارعة، وقساوة الظروف، وتنافس محموم على رفع الأرقام والأرصدة مع وجود مساعي حثيثة لخصخصة وإفشال ما تبقى من رمق للقطاع الصحي الحكومي ليصبح السواد الأعظم من المواطنين الفقراء ضحايا لهذا الاستغلال والتوجه غير الإنساني الذي ليس له من هم غير الربح على وفق سياسات تدميرية ممنهجة وكل ذلك يتنافى مع آداب المهنة وأخلاقياتها التي أوشك الزمن أن يغيبها في ثناياه ويسدل عليها ستار النسيان.
تجدر الإشارة هنا إلى بعض المواقف المسيئة للمهنة وأخلاقياتها وهي تمثل شِعِرةً من جلد بعير للممارسات والأخطاء التي يعانيها المواطن ونراها ونسمعها يوميا: في أحد الأيام أُصيب إبني الطالب في كلية الطب جامعة عدن بحُمّى الضنك والملاريا تنقلت بين أكثر من مستشفى في المنصورة كانت كلها أو غالبتها العُظمى عبارة عن مراكز تحصيل بطابع إنساني تكلّفت مبالغ كبيرة تجاوزت إثنين مليون ريال.
أحد المواطنين كانت لديه زوجته في حالة "وضع" أسعفها إلى أحد المستشفيات الخاصة في المنصورة أيضاً في ساعات الصباح الباكر ولم يكن بحوزته عدا (خمسون الف) ريالاً فطلبوا منه مبلغ (أربعمائة الف) ريالا من أجل استدعاء طبيبة الجراحة، فقال لهم: ليس بحوزتي الآن عدا خمسون الف ريالاً لكن سوف اسدد أي فاتورة لكم بالصباح عند فتح المصارف ولكنّهم رفضوا! استدعاء الدكتورة بحجّة عدم دفع المبلغ كاملاً.
مستشفى آخر أسعفت إليه والدتي وتم تشخيص حالتها بالسرطان بينما كانت تعاني من التهاب في الغُدّة اللعابية بعد أن خسرت كثير من الأموال اتضح عدم وجود أي مؤشرات لمرض سرطاني على الإطلاق وتم علاجها فيما بعد.
مستشفى يشخص مريضة بالسُكّر وليس لديها سُكّر وعلى ضوء الفحص تم إعطائها علاج السُكّر ودخولها في حالة غيبوبة بعد إحراق ما كان لديها من سُكّر طبيعي وتم إنقاذها من الموت بأعجوبة.
أطباء يتقاضون مبالغ مالية مقابل عمولات من شركات أدوية ومراكز تشخيصية لا يحتاج لها المرضى.
وعليه فإننا نطالب الجهات ذات العلاقة أن تبادر وتضع حلولٍ عاجلةٍ لهذا العبث ومحاسبة العابثين بأرواح الناس، لأن الصمت عن هذا الوضع يُعدّ جريمة جسيمة ترتكب بحق الإنسان.