آخر تحديث :الأحد-23 فبراير 2025-04:18م
اليمن في الصحافة

التنافس الإقليمي ومشاريع اللادولة: ماذا صنعت الحرب باليمن؟

الأحد - 23 فبراير 2025 - 10:34 ص بتوقيت عدن
التنافس الإقليمي ومشاريع اللادولة: ماذا صنعت الحرب باليمن؟
كتب: أحمد الأغبري

لم تعد مشكلة اليمن هي الحرب العسكرية؛ بقدر ما هي فيما صنعته سنوات الحرب من تكريس مصالح إقليمية وخارجية عززت من الانقسام السياسي والتمزق الوطني والتردي الاقتصادي؛ حتى صار الحال المعيشي جزءًا من الحرب الموازية التي تغذيها مشاريع إقليمية وخارجية، مستفيدة من رغبة بيادق تلك المشاريع في البقاء بالسلطة على حساب الوطن الكبير ومصالحه السيادية، حتى لو كان الثمن البقاء على رأس سلطة منطقة لا تتجاوز رقعة الشطرنج.


أبرزت المسيرة الغاضبة، التي شارك فيها المئات في مدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة أقصى شرقي اليمن، ما صار إليه الغضب الشعبي ضد الحكومة الشرعية ودولتي التحالف، جراء تردي الأوضاع المعيشية ومتواليات الانهيار في قيمة العملة الوطنية، وما يترتب عليها من غلاء الأسعار، وتراجع قيمة الراتب الحكومي، وبالتالي المزيد من تأزيم يوميات حياة الناس. ومن جانب آخر ما صارت إليه مشاريع التقسيم، وما يمكن وصفة بحرب لقمة العيش، إن جاز التعبير.


ودعت لجنة الاعتصام بمديرية الغيضة، الخميس، أبناء المديرية للخروج في مسيرة، رفضًا لتردي الخدمات الأساسية، وانهيار العملة الوطنية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية المعيشية التي دفعت المواطنين إلى حافة المجاعة، والمطالبة برحيل التحالف السعودي الإماراتي المسؤول عن هذا الوضع الكارثي ، وفق الدعوة التي تم تداولها في منصة إكس .


ورفع المحتجون العلم اليمني، وهتفوا ضد التحالف ومجلس القيادة الرئاسي، ومن أبرز الهتافات بسببكم العملة تنهار يا تحالف يا غدار ، يا رئاسي يا رئاسي دمرتم عملة بلادي ، المهرة حرة أبية ، المهرة ما في مجال ، وغيرها من الشعارات التي حمّلت التحالف والحكومة الشرعية مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتوالي انهيار العملة الوطنية.


وتتخذ لجنة الاعتصام السلمي في المهرة، المدعومة من مسقط، موقفًا رافضًا لوجود قوات التحالف في المحافظة، كما تتبنى موقفًا ملتزمًا خط الوحدة اليمنية، والدفاع عن استقلال وسيادة البلاد، ورفض أي قوات أجنبية في المهرة.


وكانت آخر مواقفها رفضها لاستحداث وحدات لما تُعرف بقوات درع الوطن في المهرة، وتتهم اللجنة الرياض بالوقوف وراء استحداث هذه القوات من المنتمين للتيار الديني السلفي، لأهداف تعزز من وجود الرياض في المحافظة، وفق موقف لجنة الاعتصام، التي صعدت، من خلال عقد لقاءات مجتمعية وإلقاء خطابات شديدة اللهجة ضد استحداث وحدات من تلك القوات، التي صدر قرار بإنشائها من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، لتكون تابعة له.


واستحدثت الرياض ميليشيات ألوية العمالقة الجديدة خلال عام 2022، وكان معظم منتسبيها من التيار الديني السلفي، ونتيجة لخلاف حول التسمية مع قوات العمالقة الجنوبية التي يرأسها عبد الرحمن المحرمي، عضو مجلس القيادة الرئاسي، والمدعومة من أبو ظبي، تم تغيير اسمها إلى قوات درع الوطن .


وزار رئيس اللجنة، الشيخ علي سالم الحريزي، مديرية حصوين التابعة لمحافظة المهرة، الأحد الموافق 16 شباط/ فبراير، في إطار ما اعتبره الناطق الرسمي باسم اللجنة، علي مبارك محامد، تصعيدها الشعبي ضد مخططات خارجية للسيطرة على المحافظة المحاذية لعُمان.


وتشهد محافظة المهرة انقسامًا في المواقف السياسية من التحالف والجوار الاستراتيجي إن صح التوصيف بين مكوناتها، كما هو الحال في حضرموت وشبوة وأبين وعدن وغيرها من مناطق الشرق والجنوب.


مما سبق نحتاج إلى قراءة منصفة لهذا التصعيد الحاصل على بساط هذه المحافظة اليمنية القصية؛ انطلاقًا مما تشهده المناطق الشرقية والجنوبية عمومًا من تفريخ لمشاريع محلية عديدة تمثل امتدادًا لمشاريع خارجية؛ ولكل أهدافه التي تنال من سيادة اليمن وأهداف وتطلعات مشاريعه الوطنية، على حساب تكريس مشاريع ما قبل الدولة، وفي كل ذلك تزداد الأوضاع المعيشية ترديًا؛ كانعكاس لمدى عبث أمراء الحرب داخل الدولة وخارجها، واستغلالهم للوضع العام تكريسًا لوضع اللادولة؛ باعتباره استثمارًا لتجار الصراع، الذين هم في الأساس لا يتجاوزون كونهم بيادق لمشاريع كبيرة تستهدف تفتيت البلد والإمعان في إضعافه، وإرهاقه، وحرمانه من مقدراته وقوته، وصولا إلى توازن الضعف لدى كل القوى المحلية؛ وبالتالي التسليم اليمني التام للخارج المهيمن على الداخل، وقد صار ممزقا ورخوا في آن.


* الخروج عن السيطرة

في قراءته للحالة في محافظة المهرة انطلاقًا من الأحداث والتصعيد الأخير يرى عادل دشيلة، وهو باحث بمركز الشرق أوسطي للأبحاث، جامعة كولومبيا، أن ما يحصل في الغيضة، وفي المناطق الشرقية في اليمن عمومًا يندرج في سياق تنافس إقليمي كبير. ومن هذا التنافس الإقليمي ما هو ظاهر للعلن، كما هو حال التنافس السعودي الإماراتي في المناطق الشرقية، وفي جنوب البلاد. ومنه ما هو غير ظاهر، كما هو حال الدور العُماني. وسلطنة عُمان ترى منطقة المهرة بالنسبة لها هي عمق أمن قومي .


وأضاف: مما سبق يمكن القول إن المناطق الشرقية في اليمن أصبحت موضع اهتمام، ليس على المستوى الإقليمي فحسب، ولكن على المستوى الدولي، أي أن هناك تنافسا إقليميا حادا على هذه المناطق نظرًا لغياب الدولة. وهناك أيضا تنافس دولي، وإن لم يظهر على السطح، لكن يمكن قراءته من خلال زيارات بعض السفراء الأجانب إلى حضرموت، وزيارات بعض ممثلي مؤسسات دولية؛ وهذا التنافس الخارجي خلق حالة من التنافس المحلي؛ وانطلاقًا من ذلك ظهرت فواعل ما دون الدولة، وهناك أكثر من فصيل داخل محافظة المهرة، وفي المناطق الشرقية بشكل عام، ناهيك عن النُخب، هناك تيار موالي للانتقالي والإمارات وهناك تيار موالي للحكومة اليمنية والسعودية، وهناك تيار موالي لسلطنة عُمان، ومن يقف مع سلطنة عمان من الدول الأخرى في الإقليم .


وأردف: نحن أمام وضع متردٍ جراء غياب الخدمات، وغياب مؤسسات الدولة، وظهور أمراء الحرب في هذه المناطق أو أمراء جماعات ما دون الدولة، هذا كله على حساب أمن واستقرار المحافظة، وعلى حساب أمن واستقرار المواطن. في ظل هذا الاستقطاب خلقت حالة من عدم التوازن في المحافظة، هناك تيارات مستفيدة ماليًا واقتصاديا، وهناك غالبية مسحوقة، ومثل هذا التنافس يخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وقد ربما يقود إلى خروج الوضع عن السيطرة في هذه المحافظة .


ويرى دشيلة أن هناك حرب خدمات، وهذا ليس في وضع الغيضة، بل أن هناك ترديا في الخدمات في العاصمة المؤقتة عدن التي تعاني من انقطاع الكهرباء على مدار الساعة؛ فما بالك بهذه المناطق البعيدة عن المناطق الرئيسية والموجودة في شرق البلاد .


ويعتقد أنه في حال استمر الوضع في حالة اللادولة وعدم قدرة الدولة على بسط السيطرة على الأرض، وإعادة تشكيل القوى الأمنية والعسكرية في إطار مؤسسة الدولة؛ فأنا أعتقد أن الأمر سيخرج عن السيطرة يوما ما .