آخر تحديث :الأحد-23 فبراير 2025-02:43م
ملفات وتحقيقات

تحليل: كيف استغل البعض غياب الرقابة وضعف الدولة في إدخال أصنافٍ رديئة من الوقود؟

الخميس - 05 يناير 2023 - 06:40 ص بتوقيت عدن
تحليل: كيف استغل البعض غياب الرقابة وضعف الدولة في إدخال أصنافٍ رديئة من الوقود؟
(عدن الغد)خاص:

قراءة تحليلية لواقع أسواق الوقود والمشتقات النفطية في اليمن...

هل أثبت قرار فتح باب التنافس لاستيراد الوقود أنه كان خاطئا؟

هل باتت أسواق اليمن «مكب نفاية» لأسوأ أصناف الوقود العالمي؟

ما حجم الفساد والمكاسب الخيالية التي يحققها مستوردو الوقود الرديء ؟

ما الضرر الذي طال البلاد والمجتمع؟ وما الحلول الممكنة لمعالجة هذه المشكلة؟

ما الإجراءات المفترض اتخاذها لمواجهة لوبي الفساد؟

لوبي الوقود.

(عدن الغد) القسم السياسي:

الأخبار المتداولة عن وصول شحنة وقود غير مطابقة للمواصفات إلى ميناء الزيت غرب محافظة عدن، لم تأتِ بأي جديد على مستوى التردي الحاصل في كل مناحي الحياة داخل مدينة عدن خصوصًا، واليمن بشكل عام.

هذا التردي الذي بات سمةً أساسية للظروف المعيشة في اليمن صار أمرًا روتينيًا، بعد أن «تخدّر» الشعب كله جراء العبث بمقدرات البلاد، والفساد المستشري في كل تفاصيل الحياة، بدءًا بأساسياتها ومرورًا بأقل الكماليات شأنًا.

فالوقود الفاسد الذي اكتشفت مساوئه قبل أن ينتشر خبر الشحنة الأخيرة، سبق وأن اكتوى بنيرانه الناس والمجتمع، من خلال التأثير على مركباتهم، والإضرار بها، خاصة في المحطات الحكومية التي يفترض أن تقدم خدمة أفضل من القطاع الخاص.

لهذا مرّ خبر وصول الشحنة الفاسدة من الوقود إلى ميناء الزيت بعدن مرور الكرام، بعد أن شرب الفساد وأكل من كاهل هذا الشعب الصابر، وبات خبر كهذا معتادًا وعاديًا، ويأتي ضمن قائمة طويلة من كوارث هذا البلد المكلوم بالقرارات الخاطئة والتجاوزات المفجعة.

لكن هذه الحقائق المؤلمة تؤكد أن الفساد الحاصل، بات فساد دولة، وليس مجرد فساد على استحياء تمارسه جهة بعينها دون غيرها، ولم تعد الحكومة الشرعية ومسؤولوها هم المسئولون عن الفساد الراهن، ولكن تداخل معهم وتماهى معهم فاسدون جدد، جاءوا بما لم يأتِ به الفاسدون الأوائل.

ولعل واقع المشتقات النفطية والوقود في عدن والمحافظات المحررة خير تأكيد على «فساد الدولة» المحمي بقيادات ومسئولين، ويمارس تحت غطاء رسمي، من قوى ومكونات حكومية وأخرى تسيطر على الأرض وتمثل سلطة أمر واقع، للأسف.

وللأسف أيضا، أن هذا الفساد لاقى نفوسا تواقة إليه، وتسعى نحوه بكل ما أوتيت من قوة، ضاربةً بعرض الحائط مصالح البسطاء وقوتهم، غير آبهين بما يكابدونه من مآسٍ، فيضيفون إلى كاهلهم المزيد منها.

هذه المأساة بحاجة إلى فتح ملف الوقود في عدن والمدن المحررة، وهو ملف مسكوت عنه نظرا لتداخلات المتورطين فيه، ومواقعهم الحساسة، بعد أن سعوا إليه منذ سنوات ونجحوا في السيطرة عليه من خلال «لوبي» متمرس وممعن في الإفساد.

> تحرير الوقود وانطلاق الفساد

قد لا يرتقي ما سيتم عرضه في السطور المقبلة، إلى مستوى التحقيقات الاستقصائية، وهو ما يحتاجه بالفعل ملف الوقود في اليمن؛ لكشف خفاياه، لكن ما سيتم عبارة عن تحليل للواقع واستعراض تقريري للوضع الحالي، وكيف وصل الأمر إلى هذا المستوى المخيف.

فحين كانت الدولة بمؤسساتها وشركاتها العامة المعنية باستيراد وتسويق وتوزيع الوقود من الخارج أو من منشآت النفط المحلية، وتقوم ببيعه على محطات التوليد الكهربائي والمصانع ومحطات ووقود السيارات في الداخل، لم يشتكِ أحد، ولم تظهر أي علامات على وقود فاسد أو من هذا القبيل، وكانت الأوضاع منضبطة للغاية.

وكانت الشحنات القادمة عبر ناقلات النفط الراسية في الموانئ اليمنية تخضع لعمليات مطابقة للمعايير والمواصفات التي لا تقبل المهادنة أو التفريط، أو على الأقل هكذا كان يسير الأمر، في ظل عدم حصول أي مشاكل على مستوى المصانع أو محطات توليد الطاقة أو مركبات المواطنين وسياراتهم.

غير أنه ومنذ بدء سريان قرار تحرير سوق المشتقات النفطية في اليمن، بقرار جمهوري رئاسي عام 2018، تحت وطأة مطالب القوى السياسية والمكونات المحلية، وبمبرر محاربة الفساد والاحتكار في سوق الوقود، بدأت الانطلاقة الحقيقة للفساد في ملف المشتقات النفطية.

ولم يقف الامر عند دخول شحنات وقود غير مطابقة للمواصفات أضرت بمحركات المصانع ومولدات الكهرباء وسيارات عامة الناس، ولكن أيضا شكلت عبئًا اقتصاديًا إضافيًا من خلال ارتفاع أسعارها ووصلها إلى مستويات قياسية، أثقلت كلها المواطنين معيشيًا.

كل هذه النتائج هي حصيلة عكسية وسلبية لما كان متوقعا من نتائج إيجابية لقرار تحرير المشتقات النفطية، والذي كانت بشائره تبشر الناس بعهد جديد من الأسعار المخفضة والرخيصة للوقود، بفضل تعدد المستوردين والتنافس الشريف الذي تفرضه قوانين السوق الحر.

غير أن شيئًا من هذا لم يحدث، واتضح أن قرار تحرير سوق الوقود كان قرارًا خاطئًا ومضرًا بواقع الحال في الداخل اليمني، أو على الأقل على مستوى المحافظات المحررة، فتعدد المتنافسين لم يأتِ لصالح المواطن، بل تسابق المستوردون لاستجلاب أردأ وأسوأ أصناف الوقود؛ فقط لتحقيق أكبر مكاسب مادية ممكنة.

وهذا يتم من خلال استيراد شحنات رديئة ومخالفة للمواصفات والمعايير، وشرائها من شركات الوقود العالمية التي تسعى للتخلص منها بأسعار رخيصة للغاية، فيما يتم بيعها في السوق المحلية بأسعار مرتفعة والتوافق بين المستوردين الذين يتناوبون على سرقة الشعب اليمني.

> مكب للنفايات

عندما تغيب الدولة، وتقصر ما تبقى من مؤسسات الدولة عن تأدية مهامها ووظيفتها الرقابية، تكون النتيجة واضحة، وهي ما نشاهده اليوم في عدن والمدن المحررة، في يتعلق بسوق وملف الوقود.

وهو ما استغله المستوردون الجدد، المحميون بلوبيات سياسية وعسكرية باتت تتحكم في المشهد المحلي والخدمات العامة المرتبطة مباشرةً بالمواطنين وحاجياتهم الأساسية، والذين أصبحوا يقبلون بكل ما هو رديء، مرغمين وغير مخيرين، فلا خيار أمامهم للأسف.

بل إن الخيارات انحصرت بالفعل في كل ما هو سيئ ورديء من أصناف الوقود التي يتم استيرادها إلى الداخل اليمني، خاصة وأن الاستيراد لا يخضع أبدا لأي رقابة أو إشراف حقيقي، وإلا ما كان لكل تلك الشحنات غير المطابقة للمواصفات أن تنفذ إلى السوق المحلية.

حتى الشحنة الأخيرة التي تسربت أخبارها في ميناء الزيت بعدن، سمح لها المرور مرور الكرام من الميناء إلى محطات الكهرباء والمصانع ومحطات وقود السيارات، وذهبت الناقلة البحرية التي أتت بها إلى حال سبيلها دون محاسبة أو إيقاف.

واقع يؤكد أن عدن، واليمن عموما باتت اليوم أشبه بـ«مكبٍ كبير للنفايات»، لكل ما هو رخيص ورديء من أنحاء العالم، وساهمت الحرب واستمرارها إلى تحويل اليمن إلى مجرد خلفية خرابة، أو فناء خلفي للنفايات المراد التخلص منها، للأسف أيضا.

وكل ذلك يحدث في عدن باتفاقيات من تحت الطاولة، ويجني عبرها لصوص الوقود مكاسب مالية خيالية لا يمكن تصورها من هذا البيع الذي يتواطأ معه مسئولون وقيادات تنماهى مع ما يجري ويتم غض الطرف عنها نظير مكاسب وعمولات مهولة، جعل من المتواطئين معها من ذوي الشركات والأملاك في أيامٍ معدودات.

وهو ما يؤكد حجم الفساد والمكاسب الخيالية التي حققها مستوردو الوقود الجدد، على علاته ومساوئه على حساب حاجات الناس وأساسيات الحياة للمواطنين، وإلحاق الضرر بهم.

> الخصم هو الحكم

قد تكون الشحنة التي كُشف عنها في ميناء الزيت فاسدة، غير أن ما كشف عنه في الحقيقة هو الفساد المستشري الذي صار يسري إلى الداخل العدني واليمني مع قدوم كل سفينة إغاثة أو مساعدة أو منحة، سواءً كانت وقودًا أو غذاءً أو أدويةً.

ولكن ما يميز الفساد في مجال الوقود أنه مشاهد وملموس، من خلال تأثيراته على مركبات المواطنين وسياراتهم، وتعطيل محركاتها، بالإضافة إلى الانعكاس سلبًا على آلات المصانع والمعامل، ما ينتج عنه ضرر كبير، لا يتوقف على الجيل الحالي، بل يلحق بمستقبل البلاد برمتها.

الأمر الذي يقتضي البدء بتنفيذ مبدأ جبر الضرر من خلال العديد من الإجراءات المفترض اتخاذها من السلطات المعنية لمواجهة لوبي الفساد المشترك والمتحد مع بعضه البعض ضد المواطنين واحتياجاتهم الرئيسية.

غير أن الجهات المراد منها جبر كل مساوئ هذا الفساد هي المتهمة بالتورط فيه، فهناك الحكومة الشرعية والمكونات السياسية والعسكرية المنضوية في شراكة سياسية معها، يقوم سياسيوها بالتواطؤ مع بعضهم البعض والتورط في عمليات الفساد هذه، عبر إدخال المواد المنتهية الصلاحية من الوقود والغذاء والدواء.

فهؤلاء هم من يتوقع منهم تنفيذ عمليات الرقابة والمحاسبة، بصفتهم الرسمية والحكومية والأمنية والعسكرية، بحكم سيطرتهم على الأرض، وتقاسمهم للسلطة أيضا، وهم في ذات الوقت المتورطون والمتهمون بعمليات الفساد الجارية في البلاد، فهم الخصم والحكم.