آخر تحديث :الإثنين-07 أبريل 2025-02:26ص

حين تصبح الكعكة أغلى من الوطن: من يملك الواقع ومن يضيع الشرعية؟

الأحد - 06 أبريل 2025 - الساعة 06:48 ص
احمد الدثني

بقلم: احمد الدثني
- ارشيف الكاتب


في زحام الأزمات المتراكمة التي تضرب أوطاننا، تتجلى مفارقة مؤلمة: من يفرض نفسه على الأرض يُعامل كحقيقة، بينما من يحمل الشرعية يُعامل كخيال. وبين هذا وذاك، يضيع الوطن، ويضيع الشعب، ويضيع المعنى.


في اليمن، المثال الصارخ لهذه المعادلة، نرى جماعة الحوثي وقد فرضت أمرًا واقعًا بقوة السلاح، وسيطرت على العاصمة وبعض المحافظات، وأصبحت طرفًا لا يُمكن تجاوزه في أي مفاوضات. في المقابل، نجد "الحكومة الشرعية" المعترف بها دوليًا، مشتتة، متفرقة، كثير من رموزها يعيشون في الخارج، ويتنافسون على السلطة أكثر مما يسعون إلى استعادتها.


ليس العجب في انقلاب الجماعة، بل في تراخي الشرعية. وليس الألم في غياب الدولة، بل في غياب الإرادة. فالفصائل التي يُفترض أن توحد الصف، منشغلة بمنازعات داخلية وصراعات نفوذ، وكأن القضية مجرد سباق نحو المناصب، لا معركة لاستعادة وطن.


الأحزاب – للأسف – لم تعد أدوات بناء ووعي، بل أدوات تقاسم، تبحث عن حصتها لا عن مشروع وطني. وحتى المعارضة، التي يُفترض بها أن تراقب وتقوم، تحوّلت إلى طرف يُعطل ويُخرب، لا لتصحيح المسار، بل لإثبات فشل غيرها... ولو أدى ذلك إلى فشل الوطن بأسره.


أما الشعوب، فهي تشعر، وتتألم، وتفهم – لكن المعرفة وحدها لا تكفي. ففي ظل غياب التثقيف السياسي، وسطوة الإعلام المؤدلج، يصبح الصوت الأعلى هو الصوت الأصدق... حتى وإن كان كاذبًا. وهكذا، يضيع الحق في زحمة الشعارات، وتُغتال الحقيقة تحت رايات "الشرعية" و"المقاومة" و"السيادة".


ووسط هذا الضجيج، يغيب السؤال الأهم: من يعمل حقًا من أجل الوطن؟

من يملك مشروعًا لبناء دولة؟ لا مجرد خطة للاستيلاء على الحكم؟


قد يكون الجواب مُحزنًا... لكنه ضروري. فكل أمة ترفض أن تدفع ثمن وعيها، تدفع ثمن غياب هذا الوعي لاحقًا من أمنها واستقرارها وكرامتها. وإن لم ينهض الشعب من تلقاء نفسه، سُيجر إلى مصيره جَرًّا، بلا قيادة، ولا حلم، ولا أفق.


ولعلّ أخطر ما في الأمر، أن الوطن عند بعض ساسته لم يعد مائدة يُجمع حولها الشركاء، بل كعكة يتسابق عليها الطامعون. وإذا صارت الكعكة أغلى من المائدة، فالخراب هو الضيف القادم... ولا عزاء للأوطان.