في بلد يُعلن عن امتلاكه لثروة هائلة تُقدر بـ20 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، تعيش محافظات الجنوب اليمني، وعلى رأسها عدن، لحج، أبين، والضالع، أزمة خانقة في توفير الغاز المنزلي، أزمة تُظهر التناقض الصارخ بين ما تملكه البلاد من موارد وما يعانيه المواطن من فقر وبؤس.
على مدار الأسابيع الماضية، شهدت شوارع تلك المحافظات طوابير طويلة من المواطنين الباحثين عن أسطوانة غاز، مشهد يعكس حالة الإحباط واليأس التي وصل إليها الشارع اليمني. ففي فترات سابقة، ارتفع سعر الأسطوانة إلى ما يقارب 15,000 ريال يمني، ثم شهد انخفاضاً طفيفاً لفترة قصيرة ليعود الارتفاع مجددًا حيث تجاوز السعر حاجز الـ10,000 ريال خلال هذه الأيام.
المفارقة المؤلمة تكمن في أن الدولة التي تمتلك إحدى أكبر احتياطات الغاز في المنطقة، يعاني فيها المواطن العادي من صعوبة تأمين احتياجاته الأساسية، حيث لا يتجاوز دخل الفرد الشهري في كثير من الحالات 50 دولارًا، بل وفي بعض المناطق أقل من ذلك. يتزامن هذا مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ما يزيد الأعباء المعيشية على الأسر اليمنية التي بالكاد تجد ما يسد رمقها.
يُرجع العديد من المراقبين والمتابعين هذه الأزمة إلى عوامل متعددة، أبرزها الفساد المستشري وسوء الإدارة وغياب الرقابة على الموارد، حيث تُهدر الثروات لصالح قلة قليلة من المسؤولين والمتنفذين الذين باتوا يتحكمون بمصير الملايين دون رادع أو محاسبة. هذا بالإضافة إلى تعقيدات الصراع السياسي والنزاعات التي عرقلت تطوير البنية التحتية اللازمة لاستخراج وتوزيع الغاز محليًا.
وفي ظل غياب الحلول الجذرية، يظل المواطن هو الضحية الأولى لهذه السياسات الخاطئة، حيث يُترك لمواجهة مصيره بين أزمة تلو الأخرى دون أدنى استجابة تضمن له حياة كريمة. المراقبون يرون أن السبيل للخروج من هذا النفق المظلم يتطلب إصلاحات حقيقية في منظومة إدارة الموارد، ومحاسبة الفاسدين، وضمان توزيع عادل للثروات يحقق مصلحة الجميع دون استثناء.
لكن السؤال الذي يظل عالقًا في أذهان اليمنيين: إلى متى ستظل ثروات البلاد لعنة عليهم بدلاً من أن تكون نعمة تنقذهم من الفقر والجوع؟