آخر تحديث :الأحد-23 فبراير 2025-05:20م

قوائم الازدواج الوظيفي .. حقيقة أم تضليل إداري؟

الأحد - 23 فبراير 2025 - الساعة 11:09 ص
حسن الكنزلي

بقلم: حسن الكنزلي
- ارشيف الكاتب


تفاجأ كثير من الموظفين الحكوميين بظهور أسمائهم ضمن قوائم "المزدوجين وظيفيا"، رغم أنهم لم يباشروا سوى وظيفة واحدة منذ تعيينهم، ولم يعلموا مطلقا بالوظيفة الأخرى. هذه الصدمة لم تكن مجرد خطأ إداري عابر؛ بل مؤشر على خلل عميق في الإدارة الحكومية، يستدعي طرح تساؤلات جوهرية حول أسباب هذا الازدواج، ومن المستفيد منه، وكيف يمكن معالجة القضية بفعالية.


واحتمالات هذا الازدواج الوظيفي تدور ما بين الفساد والتلاعب الإداري:

الاحتمال الأول: أن هناك شبكة من الفاسدين داخل وزارة الخدمة المدنية ووزارات أخرى استغلوا بيانات الموظفين لإدراجهم في وظائف مزدوجة دون علمهم، ليتم تقاسم رواتبهم بين المتواطئين من خلال التلاعب بالأنظمة المالية والإدارية لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المال العام.


الاحتمال الثاني: قد يكون الهدف من نشر قوائم المزدوجين وظيفيا هو خلق انطباع زائف بجدية محاربة الظاهرة، بينما يتم التستر على المزدوجين الحقيقيين بشكل مقصود. في هذه الحالة، يتم التضحية بموظفين أبرياء بإدراج أسمائهم ضمن القوائم، مما يستهلك وقتهم وجهدهم، ويؤدي إلى إرباكهم وظيفيا وماليا، بينما يظل الفساد الحقيقي قائما!


الاحتمال الثالث: ليس من المستبعد أن تكون هذه الأزمة ناتجة عن أخطاء تقنية أو سوء تنسيق بين الجهات الحكومية، نتيجة ضعف آليات التحقق من البيانات. فالاعتماد على أنظمة قديمة أو غير مترابطة يمكن أن يؤدي إلى تسجيل ازدواج وظيفي وهمي، ما لم يتم تحديث قواعد البيانات وربطها بآليات تحقق دقيقة.


الاحتمال الرابع: قد يكون ظهور قوائم المزدوجين وظيفيا جزءًا من صراع داخلي بين جهات حكومية تسعى لتصفية حسابات، حيث يتم الزج بأسماء موظفين معينين ضمن القوائم للضغط على جهات أو شخصيات معينة. في هذه الحالة، يصبح الموظف العادي ضحية لهذه التلاعبات السياسية والإدارية.


ولا شك أن لهذه الأزمة تداعياتها السلبية؛ فالموظفون الذين وجدوا أنفسهم ضمن القوائم يواجهون أضرارا جسيمة، منها:

- تعليق رواتبهم دون وجه حق.

- اضطرارهم إلى متابعة قضاياهم الإدارية، مما يتطلب وقتا وجهدا ومالا، خاصة مع بعد أماكن العمل.

- احتمالية تعرضهم لعقوبات إدارية رغم براءتهم.

- احتمالية تعرضهم للابتزاز المالي أثناء المتابعات.


وفي حال كان الازدواج ناتجا عن فساد، فإن الدولة تتحمل خسائر مالية ضخمة بسبب صرف رواتب غير مستحقة. كما أن معالجة المشكلة بشكل خاطئ قد يؤدي إلى إهدار مزيد من الأموال في إجراءات غير مجدية.


وعندما يشعر الموظف بأن النظام الإداري يمكن أن يظلمه، وعندما يرى المواطن أن الحكومة تعجز عن كشف الفساد الحقيقي، تتزعزع الثقة في المؤسسات الرسمية، مما يؤدي إلى تفشي الإحباط واللامبالاة تجاه الإصلاح الإداري.


ولا ننسَ هنا، أن تصوير عملية كشف المزدوجين وظيفيا على أنها صعبة هو مجرد تضليل. فاليوم، تمتلك الجهات الحكومية قواعد بيانات متطورة، ومن خلال خطوات بسيطة يمكن كشف الازدواج الحقيقي دون الحاجة إلى قوائم زائفة أو إثارة ضجة إعلامية، وذلك عبر:

- الربط الفوري بين بيانات التأمينات الاجتماعية والرواتب الحكومية؛ فأي موظف يحصل على أكثر من راتب يمكن كشفه فورا.

- استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل البيانات واستكشاف التكرار، وغير ذلك من الخطوات أيضا.

هذه الإجراءات تجعل كشف المزدوجين الحقيقيين مسألة تقنية بسيطة، وتُسقط مبررات التأخير والمماطلة.


وفي ظل هذه الأزمة، ينبغي التركيز على حماية حقوق الموظفين المتضررين من قرارات خاطئة أو متعمدة، وذلك عبر:

- إعادة رواتب الموظفين المتوقفين فور التحقق من عدم ازدواجهم الفعلي.

- تعويضهم عن أي أضرار مالية أو نفسية أو مهنية لحقت بهم.

- محاسبة المسؤولين عن إدراج أسماء غير حقيقية، سواء كان ذلك بخطأ إداري أو فساد متعمد.

- توفير آلية إلكترونية سهلة تتيح للموظف المتضرر التحقق من وضعه الوظيفي، دون الحاجة إلى مراجعات مرهقة.


ختاما يضع هذا السؤال نفسه بإلحاح: هل سيتم الإصلاح أم يستمر التلاعب؟

هذه القضية تمثل اختبارا حقيقيا لجدية الإصلاح الإداري؛ فإما أن تُكشف الحقيقة بوضوح ويحاسب الفاسدون الحقيقيون، أو يتم الاستمرار في لعبة التمويه التي تضر الأبرياء وتحمي الفاسدين. ووحدها الشفافية والعدالة قادرة على استعادة الثقة في النظام الإداري، وإلا فإن الفساد سيظل مستداما تحت غطاء الإصلاح الوهمي، كما كنا وما زلنا نرى ونسمع!

والله تعالى أعلم!

ودمتم سالمين!