صدر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر رواية حديثة لأستاذنا الدكتور إسماعيل عبد الحافظ العبسي تحمل اسم " المطري شيخ المفاليس" والرواية وإن كانت من نسج خيال المؤلف إلا أنها ولا بد أن تحتوي على أحداث حقيقية وعادات وتقاليد عاشها الكاتب في بيئته أو سمع عنها. ورواية المطري رواية رومانسية غرامية سياسية دينية اجتماعية تاريخية في آن ، وتعبر عن قدرة الكاتب في ربط أحداثها، وحسن الحبكة الدراماتيكية ، وإسهابه في وصف الشخصيات والهيئات والمشاهد وكأنه يصورها بكاميرا ثلاثية الأبعاد لا يكتبها بقلمه وحسب.
الإطار الرئيس لأحداث الرواية هي قرية المقلوبة إحدى قرى خدير السلمي بريف تعز الجنوبي وسائر مديريات محافظة تعز في زمن الدولة الإمامية وشخصياتها الرئيسة كثيرة ، وتكاد تزيد عن عشرين شخصية، منها شخصية مسعود حزام الزعكري الذي كان رمزا للقبيلة اليمنية وزعيمها ، وتجلت شخصيته في إخلاصه للإمام أحمد حميد الدين ، ومساعدته لجند الإمام في جباية الأموال للدولة وإخضاع القبيلة. وتعرضت عن إنهماك المشائخ في ملذاتهم الجنسية بين حلال وحرام وطلاق وزواج وتعداد. وعن ممارسات غير شرعية بين بناته وأزواجه وأقاربه، وهكذا هو الحال ، وحكت الرواية إيماءً إلى أن أولئك المشائخ هم أدوات الحكم والظلم سواء أكانوا في زمن آل حميد الدين أو بدر الدين الحوثي أو زمن صالح!.
والمفاليس وإن كانت قرية في نواحي تعز يحكمها الشيخ المطري القادم من بني مطر فهي مفردة عربية مفردها مفلس ولعلهم جميعا مفلسون وخاسرون في تجارتهم، والمطري يشير كذلك إلى أن أغلب مشائخ تعز والمناطق الوسطى أصلهم من الزيود، أو ربما أن شيخ المفاليس يوحي إلى مشائخ الدين المفلسين لا سيّما مشائخ الصوفية فقد تحدثت الرواية في تفاصيل كثيرة عن القباب والأضرحة، وكيفية نشر السادة للعقائد الباطلة،؛ورقيتهم ،ونفثهم ، وتدليكهم للمرضى الممسوسين، ودعارتهم مع النساء.
وللحبّ والغرام نصيب الأسد في رواية المطري، ولقد ظهرت قدرة المخرج التلفزيوني جليا في تصويره القبلات والمشاعر والاستعراضات الجسدية والتفاصيل الدقيقة، ويشعرك كقارئ وكأنك تشاهد أفلاما إباحية ! "تحفة" معشوقة هواش أصيبت بالجنون ، لزواج هواش بابنة خالته ، التي استطاعت وأمها بمكرهن على الاستحواذ به ، وصرفه عن تحفة التي ذاقت الويلات ورميت بالرصاص وتركت تنزف دما دون أن ينجدها أحد لعقيدة فاسدة بأن الجن الذين يسكنوها سينتقلون لمن يقترب منها.
ولعل بطل الرواية حسن ابن الشيخ جابر الذي أحبّ "غصون" ابنة خاله الشيخ مسعود حزام الزعكري وقد أفقدها عذريتها في لحظة طيش من لقاءات متعددة جمعتهما، ثم فراره بها إلى الوازعية ، ثم ذباب القريبة من باب المندب، وهنالك وجدا الشيخ عياش الملقب ب"الرنجلة" الذي وجد لهما مخرجا وعقد قرانهما ثم حفل زفافهما ، لكنهما ما لبثا أن تفرقا ثانية، وما لم يستطعه البشر استطاعته الضباع وسائلة ذباب...
في كل قراءتي للرواية يخطر بنفسي ماذا لو جسدت إحدى قنواتنا الفضائية هذه الرواية في مسلسلاتها الرمضانية؟ أتمنى ذلك.