عبدالجبار ثابت الشهابي
النصر الحاسم الذي حققته (المقاومة السورية) خلال فترة قياسية؛ على جيش المخلوع بشار الأسد، ومليشياته السلالية؛ التي سامت الشعب السوري سوء العذاب، يعتبر منارا تهتدي به القوى الساعية للانعتاق والحرية؛ فكيف بدولة، ذات جيش نظامي، معترف بها دوليا؛ تقف في مواجهة مليشيات طائفية؛ تصنف دوليا، وللمرة الثانية بأنها مليشيات إرهابية؟!
وبوضوح تام؛ ينبغي النظر مليا في الحالة السورية، ووضع الدولة في اليمن، وسبب انتصار السعب السوري على هذه الطائفة الباغية، ولاسيما أننا (نحن) نتوافق مع كبريات الدول الفاعلة؛ على ضرورة إزاحة الحوثة من الساحة، أو على الأقل تقزيم وجودهم، وتحويلهم إلى مجرد حزب سياسي، مثله مثل أي حزب في الساحة اليمنية.
وهنا يتأكد السؤال الأساسي في هذه القضية بوضوح: لماذا انتصر السوريون بتلك الفترة الوجيزة، مع أنهم مجرد قوى مقاومة مشتتة، ويصيبنا نحن التردد والخذلان، مع أننا دولة معترف بها عالميا، وجيش نظامي لا يختلف بشأنه اثنان؟!
لماذا لا نحاول أن نتعلم من الدرس السوري؟! لماذا لانعمل على التخلص من أسباب وعوامل الخذلان الحقيقية؟!
قد يقول قائل: إن الحوثة يتلقون الدعم الإيراني غير المشروط: لوجستيا، وتسليحا، وإعدادا، وخبرات بشرية، وغير ذلك، نقول: وهل كان جيش الأسد معزولا، أو شبه محاصر، كما هو حال مليشيات الحوثي في اليمن؟!
لقد كان الأسد يتلقى دعم إيران المباشر: برا وجوا، دون قيود، وبحرا؛ بكل الوسائل والسبل، ومن أكثر من دولة وعلم، ومن ذلك الدعم الروسي الضخم، فما الذي ميز الحوثة عن الأسد؛ فجعلهم أكثر صعوبة واستعصاء على قوات الدولة اليمنية.
إن أصل هذه المشكلة في الحقيقة لايكمن البتة، ومنذ البدء، في قوات الحوثي الهزيلة أصلا، بل في التقوقع الأعمى، وعدم البحث في البدائل المناسبة: سياسيا، وعسكريا، وتقنيا، وضعف اختيار الحلفاء، وسوء تقدير الموقف والقدرات، وضعف العمل الدبلوماسي، وهو ما مكن الحوثة من التحرك، والتأثير دبلوماسيا وإعلاميا، واستغلال الشعارات المؤثرة، مثل محاربة الإرهاب، وخصوصا داعش في ظل عجز المعسكر الشرعي عن تقديم الأدلة على نقائه من التهم الموجهة إليه، مما مكن الحوثة من الاحتماء خلف التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب..
لقد تواصل الفشل الدبلوماسي الشرعي منذ البدء، وهاهي الدولة قد بدأت أخيرا تتحرك، لكن ببطء، وعلى استحياء، وتحت تأثير تراكمات السنين العجاف التي ألغت قرار ودور اليمنيين في البحث عن الحل المناسب لمشكلتهم، ويكفي أن هذه الدبلوماسية مازالت غير قادرة على النهوض بكفاءة حتى الٱن؛ لاقتناص لحظة ترمب الفارقة، مثلما عجزت عن البحث الدقيق من قبل في بحار السياسة، والقانون الدولي؛ عما يصلح للشعب اليمني، وما لا يصلح؛ في عالم التحالفات والمصالح الدولية المتكافئة (وأكرر المتكافئة) بدلا من البقاء في حبائل العجز، ومثبطات الخراب المهترئة، وتشويشات تجار الحروب، وأعوان إيران التقليديين؛ الذين لايريدون صلاح اليمن، وانتهاء هذه الحرب الاستنزافية المدمرة؛ التي ظلت ومازالت تستنزف البلد خلال أكثر من تسع سنوات.
وبوضوح تام نقول: لقد أدرك المجتمع الدولي الٱن، مثلما أدرك قبل فترة بايدن، أهمية القضاء على هوس إيران، وغطرسة وكلائها، وبقي الٱن أن تعلم الأطراف اليمنية التي تتألف منها قوى التأثير على القرار السياسي والعسكري في الحكومة؛ المسالك الصحيحة للخروج من دوامة الحوثي السرطانية، بدلا من السكينة، والارتهان لإرادة القوى الخبيثة؛ التي تسعى مع تجار الحروب لإطالة معاناة الشعب اليمني، وتركه كما هو حاصل حاليا؛ يتدهدى في منزلقات الهلاك، والإفلاس، والمجاعات، وانهيار الدولة عموما بكامل مكوناتها: الاقتصادية، والمالية، والعسكرية، والبشرية، فهل تراها (هذه القوى) تفعل؟! وهل تراها تنجح؟!