في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه العديد من الدول، يبرز التساؤل حول جدوى الاستثمارات الهامشية ومدى مساهمتها في بناء اقتصاد قوي ومستدام. ففي الوقت الذي تحتاج فيه الدول إلى مشاريع استراتيجية تسهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد وتدعم الإنتاج المحلي، نجد أن بعض الاستثمارات تتركز في مجالات غير منتجة مثل المحلات التجارية الفاخرة والمشاريع السياحية التي لا تتناسب مع القدرة الشرائية لمعظم المواطنين.
تعد الصناعات الغذائية والمشاريع التي تعتمد على المنتجات الزراعية المحلية من أهم ركائز الاقتصاد المستدام. فالكثير من المحاصيل الزراعية تتعرض للتكدس في مواسم معينة، مما يؤدي إلى انخفاض أسعارها وخسائر للمزارعين، بينما يمكن استغلال هذه الوفرة في إنشاء مصانع تحويلية تساهم في توفير منتجات ذات قيمة مضافة، مثل المعلبات والعصائر والمنتجات المجففة. مثل هذه الاستثمارات لا توفر فقط فرص عمل محلية، بل تساهم أيضًا في تقليل الحاجة إلى الاستيراد، مما يحافظ على تدفق العملة الصعبة داخل الدولة.
تشهد عدن طفرة في الاستثمارات التجارية، مثل افتتاح مجمعات تجارية فاخرة ومشاريع سياحية تستهدف فئات محدودة من المجتمع. وعلى الرغم من المظهر الجذاب لهذه المشاريع، فإنها لا تعكس بالضرورة ازدهارًا اقتصاديًا حقيقيًا، بل قد تكون مجرد فقاعات استهلاكية لا تخدم سوى شريحة ضيقة من الأثرياء والمستثمرين الأجانب.
من الملاحظ أن الكثير من المحلات التجارية تسعر منتجاتها بالعملات الأجنبية، مثل الريال السعودي أو الدولار، مما يجعلها خارج نطاق قدرة المواطن العادي. وبدلًا من أن تكون هذه المشاريع داعمة للاقتصاد المحلي، فإنها قد تتحول إلى مجرد وجهات سياحية للمشاهدة فقط، حيث يكتفي الزائرون بالاستمتاع بجمال الديكورات والإضاءة دون القدرة على الشراء.
لا شك أن الاقتصاد القوي يقوم على مشاريع إنتاجية توفر فرص عمل حقيقية، وتعزز من قدرة الدولة على تحقيق الاكتفاء الذاتي. ومن هنا، فإن توجيه الاستثمارات نحو قطاعات مثل الصناعة والزراعة والطاقة المتجددة يمكن أن يكون أكثر فائدة للمجتمع والاقتصاد الوطني، مقارنة بالمشاريع الترفيهية والتجارية التي لا تضيف قيمة حقيقية.
في النهاية، يتطلب بناء اقتصاد قوي رؤية واضحة واستثمارات مدروسة تركز على الإنتاج والاستدامة بدلاً من الاستهلاك والمظاهر البراقة التي قد تخدع المشهد الاقتصادي، لكنها لا تخدم سوى فئة محدودة من المجتمع.