إن شريعة تعتني بمشاعر الإنسان وما يدور في خلجات نفسه جديرة بأن تكون شريعة ربانية لا إنسانية ومنزلة من السماء ليست من وضع البشر ممن بيده الملك والأمر ومن هو مستغن عن العباد شرعها لمنفعتهم ومصلحتهم لا لحاجته ولذلك جاءت مخلصة من أهواء البشر ومصالحهم عليها الطابع الرباني دون سواه وهاتان آيتان من سورة الإسراء تدل على عظمة الشريعة الإسلامية ومراعاة كافة ما يحتاج إليه الإنسان المركب من روح وجسد وفرد ومجتمع الآية الأولى جاءت بعد حث الله على الإحسان إلى الوالدين في قوله تعالى " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " قال بعدها " ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا " فمع الإجتهاد في الإحسان إلى الوالدين في الظاهر فلعل تقصيرا قد حصل غير مقصود وما أكثر ما يصيب النفوس من الشعور بالألم عندما لا تصل إلى ما تريده من المعروف والإحسان فهنا رأينا أن الله جعل ذلك متداركا بما في النفس من إرادة الخير وربما أن هذا المعنى سيقع من نفوسنا موقعا وقد قصرنا في حقوق آبائنا وأمهاتنا ولكننا لم نقصد الإساءة وإنما من قلة ذات اليد أو غيرها وفي الآية الثانية يقول المولى تعالى بعد الأمر بالإحسان إلى ذوي القربى " وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا " وهنا تدارك التقصير بالقول فإذا لم يجد القريب حاجته عندك فعـِده بأنك ستذكره بالخير والعطاء عند حصول اليسر وانفراج الأمر فسيقع هذا من نفسه موقعا يخفف ألم الحرمان ويمسح دموع الأحزان وسيكون أيضا شفاء وتخفيفا لألمك خصوصا وأنت ترى بأن ذلك قد كان بتوجيه من الله وطريقة اختارها لمعالجة الجوانب النفسية وضبط مشاعر الناس بهذا الوعاء التشريعي العظيم من التفلت واهدارها كما يهدر الشيء المراق فلا ينتفع به فسبحان من أحكم شريعته وجعلها على هذا النطام البديع
محمد العاقل