لم يتمكن الفرقاء السودانيين من ردم بؤر التوتر و در الرماد في وجه الفتنة التي اتسعت أطرافها و اسكات صوت هدير البنادق المشتعل منذ سنوات بعد سقوط نظام البشير ووصول الثوار إلى تقلد مقاليد إدارة البلاد حتى نشأت الفرقة واشتد الصراع بين الجماعات الراغبة في الأنفراد بالسلطة والسير بالبلاد حسب توجهاتها فكان الجيش السوداني يسعى في إعادة البلاد إلى حالة الإستقرار والعودة بالبلاد إلى السلطة العسكرية والتطويق الأمني و الرجوع إلى فكرة الدولة العميقة بأجهزتها و مؤسساتها الأمنية والعسكرية ذات السلطة الأبوية القابضة على كل تفاصيل الحياة وهذا ما يثير حفيظة الثائرين الذين كان من جل مطالبهم هو سقوط النظام العميق بكل أشكال الهيمنة التي كان يمارسها وفي المقابل اعتلت قوات الأمن السريع والتي هي في الأصل جزء من أجهزة القمع الأمني والعسكري للنظام السابق ولكنها تلبست بثياب الثورة واعتلت موجة التحرير متخلية عن النظام الذي اختلقها في فترة حكمه لضرب حركات تمرد قبائل الغرب التي يعود منشأها لتلك المناطق في محاولة من النظام السابق إلى شق العصا بين قبائل الغرب ذات الأصول الأفريقية والقبائل ذات الأصول العربية فكانت قبائل الجنجويد أكثر حظا في نيل رضا النظام السابق لتكون يده الضاربة من حديد لقمع الثورة التي اجتاحت مدن وقرى غرب السودان بعد أن طالها التهميش الحكومي وأضاف الجفاف عنصر معاناة جديد ليدفع قبائل الغرب نحو التمرد على النظام
وباستمرار الصراع بين قوى الثورة المتصارعة تتضاعف معاناة السودانيين اقتصاديا واجتماعيا وبوصول الأنباء عن تقدم قوات الجيش نحو العاصمة السودانية والمدن والولايات المحيطة بها تشتد ازمات المواطن السوداني وتزيد الأمور تعقيدا ويبقى فتيل الصراع مشتعل علما أن قبائل الجنجويد المكونة لقوات الدعم السريع لن تسلم بالهزيمة وسوف تستمر في خوض المعارك طالما الدعم المادي والعسكري واللوجستي يتواصل تترا من قبل داعميه في دول الأقليم الافريقي وعلى رأسها ليبيا بقيادة خليفة حفتر ودعم جنوب السودان الذي يظل بابا مفتوحا يرغب في اغراق شمال السودان في دائرة غير متناهية من الصراعات والحروب المستمرة لتحقيق مٱرب فيما يخص القضايا المتنازع عليها بين جنوب وشمال السودان ولا يخفى دور بعض الأقطار الأفريقية الداعمة لتأجيج نار الحرب الأهلية السودانية بين الجيش والفصيل المنشق الدعم السريع ودعم دول من خارج الأقليم ما زالت تذكي فتيل المعارك والحرب.
ولا خيار لايقاف النزيف السوداني المستمر إلا في حلول ترضي جميع الأطراف بالجلوس حول مائدة من الحوار وتقديم التنازلات من قبل جميع الأطراف واستيعاب القوى التي افرزها الصراع خارجا وتغليب الحكمة وصوت العقل والبعد عن هاجس المناطقية والقبلية والعرقية السائد على قراع المدافع وهدير البنادق.
فالسودان لكل السودانيين افارقة وعرب حتى لا تتسع دائرة الأفتراق و تتعمق صفحة الخلاف وينفرط العقد وتتطاير حباته بعيدا فلا يستطاع إعادة صياغة مشهد سوداني موحد فتزداد هوة التشرذمات ويضاف إلى سودان الشمال والجنوب غرب السودان ووسط السودان وشرق السودان وربما تسري قواعد الأنفصال العرقي سودان افارقة وآخر للعرب ويبقى نزيف الدم هو المشهد السائد.
عصام مريسي