بعد خروج الاستعمار البريطاني من الجنوب، كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وخاصة في المدن الرئيسية للجنوب والآخرى منها تسير على خطى تلك المدن إلى النهضة في كافة المجالات حيث قد تأسس كيان جنوبي سياسي يضم أغلب التنوع السياسي والاجتماعي والمناطقي الذي يمكنه القيام على أعمدة صلبة من خلالها يتم بناء الدولة المنشودة على أسس علمية حديثة والتي تسير عليها اليوم بلدان العالم المتطورة والمستقرة، وكان العقل الجنوبي في ذلك الوقت متزن إلى أبعد الحدود ،حيث يتماشى مع تطلعات الحركات الوطنية بمختلف مشاربها، وهذا مانعانيه بعد خروج المستعمر البريطاني الى اليوم، وهذه هي السنوات العجاف التي طالت قساوتها على الشعب، فقد تعرضت بعض شرائح المجتمع المدني إلى الإتهام بالخيانة والعمالة، مما أدى إلى طردها من البلاد وقتل وسجن وسحل البعض في الشوارع وتهميش طبقة اجتماعية على حسابات غير منطقية... وعاشت البلاد بوضع غير مستقر ، وتم بعد ذلك تأميم كل الممتلكات الخاصة والتي تسهم في تطوير البلاد وتقدم كبير على مستوى المنطقة في التنمية، وإغلاق جميع مكاتب أنشطة المجتمع المدني والتعددية السياسية، وخلال فترة طويلة من الأكمام ظلت تسير بالعنف الثوري، فقد عاصرت أنا شخصياً في شبابي بعد مرور أكثر من عشرين سنة، حيث شاهدنا نحن والجيل الذي معي، خروج المسيرات التي لازالت تهتف بالثورة إلى اليوم،كنت أسمع من هو أكبر سناً مني وهو يقول: إلى اليوم ونحن نرددها في المناسبات الوطنية في مسيرات شعارات من قبيل : ثورة ثورة لا إصلاح،
واضربوا بالعنف الثوري كل الإمبرياليين!!!
و المدهش أننا عشنا في الجنوب سنوات عجاف عطلت فيها كل جوانب الحياة بمختلف مشاربها...
وأتى على الجنوب الركود الذي قصم ظهره، وزاد الطين بلة على ما يعانيه الإنسان الجنوبي، الانقلابات العسكرية التي نزعت منه الإستقرار وفككت اللحمة الوطنية وبات المواطن الجنوبي يتقلب في تلك السنوات العجاف من امبريالي إلى امبريالي آخر جعل البعض الطلاء له بألوان زاهية تمكنه من البقاء دون أن يقدم لها النهضة...حتى وصلت بنا تلك السنين إلى الانحطاط حيث مسحت تلك الانقلابات صفوت الرجال والكوادر المؤهلة وتم الافلاس السياسي والاقتصادي وغيره ، وحملتنا تلك الوجوه المنحطة إلى ـ الوحدة ـ بين نظام صنعاء وعدن، وبعد حوالي ثلاث إلى أربع سنوات من الوحدة رجع إلى أرض الجنوب كل الإمبرياليين، الذي كنا نسمع عنهم، لكنهم وجدوا بلادهم مع إمبرياليين من نوع آخر أفقدهم كل معاني إمبرياليتهم السابقة، ونحن نشاهد تلك الصور التي يجب أن تدفع الثمن غاليا ، وللأسف وجدناها رموز وطنية ، فلم نعلم إلى اليوم من شدة التقارب بين ماكان يتصف به الإمبريالي الأول والجديد، فقد توحدة مشاربهم ، ولذلك علمنا أنها صناعة مزيفة لمن يعارض تلك الوجوه، ووجدنا أنها مسرحية ممتلئة بالكذب والخداع على الشعب.
ولازلنا نعيش تلك السنوات العجاف لكنها اليوم أشد مما سبقها.!