آخر تحديث :الإثنين-24 فبراير 2025-01:35ص

الجنوب بين وهم السيطرة والمأساة

الخميس - 23 يناير 2025 - الساعة 08:15 ص
عدنان زين خواجه

بقلم: عدنان زين خواجه
- ارشيف الكاتب


في خضم الأزمات الاقتصادية والانهيار المستمر للعملة، يعاني الجنوب من أوضاع كارثية ألقت بظلالها على كافة مناحي الحياة، وسط ارتفاع جنوني لأسعار المواد الأساسية، بما في ذلك الوقود والغاز، وانعدام شبه كامل للكهرباء والخدمات العامة. هذه الأوضاع ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات طويلة من الفساد وسوء الإدارة، التي استغلها البعض لتحويل القضية الجنوبية من مشروع تحرري إلى فخ سياسي يستنزف الشعب لصالح نخب فاسدة.

الفخ السياسي: إدارة بلا سيطرة

أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي كان يمثل حلم العديد من أبناء الجنوب في استعادة الأرض والكرامة، جزءاً من لعبة سياسية معقدة. قبوله بإدارة المناطق المحررة فتح الباب أمام تحديات كبيرة، أبرزها سيطرة قوى سياسية شمالية على موارد الجنوب وإيراداته. هذه القوى، التي فشلت في تحرير مناطقها وقراها، وجدت في إدارة الجنوب فرصة لتعويض خسائرها من خلال النهب والاستحواذ على الإيرادات، التي كان يفترض أن تُوجه لتحسين أوضاع الشعب الجنوبي.

الأزمات المفتعلة: سلاح لإضعاف الجنوب

يتفق العديد من المحللين على أن الأزمات الاقتصادية والخدمية في الجنوب ليست مجرد نتيجة عشوائية لضعف الإدارة، بل هي أداة سياسية تهدف إلى إضعاف المجلس الانتقالي وكسر إرادة شعب الجنوب. في الوقت الذي تعاني فيه المناطق المحررة من فقر مدقع، تُصرف الإيرادات الطائلة لرواتب ونفقات خاصة لأفراد من النخب الشمالية، إضافة إلى عمليات نهب منظمة تُحول الأموال إلى الخارج، تاركة أبناء الجنوب يعانون الجوع والبطالة.

فساد ينخر جسد الجنوب

أحد أكبر التحديات التي تواجه الجنوب اليوم هو الفساد الذي استشرى في كافة مفاصل الدولة. أصبح الشعب الجنوبي، الذي كان يُعتبر أحد أبرز عوامل القوة في المشروع التحرري، منهكاً ومقهوراً من هذا الفساد، الذي طال البر والبحر على حد سواء. النخب الفاسدة، التي تدعي تمثيل الشعب، أصبحت جزءاً من المشكلة بدلاً من أن تكون جزءاً من الحل، مما خلق فجوة عميقة بين القيادة والشعب.

وهم السيطرة على الأرض

يروج المجلس الانتقالي لفكرة السيطرة الكاملة على الأرض، لكنه يغفل حقيقة أن الأرض بلا شعب منهك وفاقد للثقة لا تعني شيئاً. إذا استمرت هذه السياسات الفاشلة، فإن الجنوب قد يفقد حاضنته الشعبية، التي تُعد أساس أي مشروع سياسي مستقبلي.

دور المجتمع الدولي: أموال المنظمات لمن؟

في الوقت الذي تصل فيه ملايين الدولارات من المنظمات الدولية لدعم مشاريع الحد من الفقر والجوع، لا يرى الشعب الجنوبي أي أثر حقيقي لهذه الأموال. تُنهب هذه المساعدات أو تُوزع بشكل غير عادل لصالح نخب وشخصيات من خارج الجنوب، بينما يعاني المواطن الجنوبي من التسول والجوع.

الجنوب بين التحدي والحلم

الواقع الحالي يكشف أن الجنوب بحاجة إلى مراجعة شاملة لسياسته وأدائه، بعيداً عن الخطابات الوهمية والشعارات الفارغة. إن استعادة الأرض دون استعادة الإنسان الجنوبي وحقوقه لن يُحدث أي تغيير حقيقي. على المجلس الانتقالي والنخب السياسية الجنوبية أن تُدرك أن الاستمرار في هذا النهج سيؤدي إلى فقدان الأرض والشعب معاً. الجنوب اليوم بحاجة إلى قيادة حقيقية تُعيد للشعب كرامته وحقوقه، بعيداً عن المصالح الضيقة والفساد المستشري.