آخر تحديث :الأحد-23 فبراير 2025-09:22م

في فنون الابتعاث 3

الخميس - 16 يناير 2025 - الساعة 08:45 م
د. عوض احمد العلقمي

بقلم: د. عوض احمد العلقمي
- ارشيف الكاتب


اقترب موعد الحضور للتقاضي ، واليوم يمر على الشيخ المسالم كالثانية ، بل وفي كل لحظة يتمنى أن يحدث أمر خارق في الكون ؛ كي يتم تأخير موعد التقاضي أو إلغاؤه بالمرة ، غير أن الرياح عادة ما تأتي بما لم تشته السفن ، اقترب الموعد ، وأصبح قاب قوسين أو أدنى ، والمسافة إلى موضع التقاضي ، تقدر بمسير يوم على العرد ، وفي المساء كان المكلف بمرافقة الابن ، واسمه فارس قد وفد إلى منزل الشيخ ، وفي الصباح الباكر جلس الشيخ مع ابنه ومرافقه فارس ، ورفدهما بالوثائق والأدلة الدامغة التي تثبت أحقيتهما وعدالة قضيتهما ، وكيف يعرض الابن القضية أمام الحاكم ، وكيف يحسن فنون التقاضي ، ويدير آداب التخاصم ، ثم انفرد الشيخ بفارس ، وقال له : أنا لا أريد تخويف الابن من الخصم ، الأمر الذي قد يشغله عن فنون التقاضي ، وحسن إبراز مظلوميته ، ويبقى فقط منشغلا بما قد يقدم عليه الخصم ؛ لذلك ها أنا أوصيك وأحذرك أنت مما قد يقدم عليه الخصم ، فأنا لم انتدبك لهذا الأمر إلا وأنا أعلم يقينا أنك أهل له ، بل ولما هو أكبر منه ، وإن فشلت في المهمة يافارس - لاسمح الله - فلا مكان لكما أنت والابن في القبيلة بعد اليوم .

   ركب الشيخ الشاب على العرد ، والفارس يمشي أمامه وانطلقا ، وصلا موضع التقاضي مساء ، وفي الصباح انطلقا نحو ديوان القضاء ، طلب الحاكم من الخصمين أن يقتربا منه ، وأن يجثو كل منهما على ركبتيه ، والمسافة بينهما تقدر يمترين تقريبا ، ثم أذن للخصم أن يتقدم بدعوته شفهيا ، ويقدم الوثائق التي تثبت أقواله ، في هذه الأثناء بدأ الشيخ الخصم يدلي بدلوه ، وفارس يرقب الأمر من خلفهما ، من مسافة تقدر بستة أمتار ، وإذا بالشيخ الخصم بدأ يرتفع صوته ، ويتزحزح شمالا نحو الشيخ الشاب مفتول العضلات ، وبدأت المسافة تضيق بينهما ، ماجعل الفارس ينطلق كالسهم حتى حط بين الشيخين جاثيا على ركبتيه ، قابضا بكفه الأيمن عنق خنجره ، وهنا صرخ الحاكم ، ما الذي جاء بك بين الخصمين يارجل ؟ أجاب فارس : إنما أتيت لأمنع الشر ياسيدي الحاكم ، أردف الأخير بالقول : عد إلى حيث كنت يارجل ، قال فارس : إن وجودي هنا ضرورة يقتضيها الحال سيدي الحاكم ، وإذا ما كنت مصرا على قولك فسنضطر آسفين إلى الانسحاب من الجلسة سيدي الحاكم ، وعند ذلك همس كاتب المحضر في أذن الحاكم ، الأمر الذي جعل الحاكم ينظر نحو فارس ويقول : لابأس أن تبقى بين الشيخين يافارس .

   وفي هذه الأثناء سارت أمور التقاضي كما ينبغي ، ونجح فارس في حماية شيخه الشاب وتجنيب قبيلته العار الذي كان يريد ذلك الشيخ المتهور إلحاقه بها .