آخر تحديث :الإثنين-24 فبراير 2025-01:19ص

السجون بين وحشية الأنظمة وتناقضات العالم الحديث

الإثنين - 16 ديسمبر 2024 - الساعة 07:17 ص
عدنان زين خواجه

بقلم: عدنان زين خواجه
- ارشيف الكاتب


عندما نقف أمام المشاهد المروعة التي تعرضها المعارضة السورية عن انتهاكات سجون نظام الأسد وجرائمه بحق المسجونين السياسيين وغيرهم، يتجلى لنا وجه من أبشع أوجه الظلم الذي تمارسه الأنظمة القمعية بحق شعوبها. تلك المشاهد التي تصف لنا أقبية التعذيب، والإذلال، والقهر النفسي والجسدي، تعكس واقعاً مريراً ليس حكراً على سوريا أو العالم العربي، بل يمتد ليشمل دولاً تدّعي احترام حقوق الإنسان، ولكنها تنتهكها تحت ستار القانون أو في الخفاء.


الأنظمة القمعية تعتمد على السجون كأداة رئيسية لإسكات المعارضة وترسيخ قبضتها على السلطة. هؤلاء الذين يقعون في أسر هذه السجون غالباً ما يكونون أشخاصاً يعبرون عن رأيهم، أو ينادون بالحرية، أو يكشفون الفساد. في هذه الأنظمة، يصبح الإنسان مجرد عبد يخضع لمزاج الحاكم وأدواته القمعية. فالانتقاد أو المعارضة يتحولان إلى جرائم تستوجب العقاب القاسي، وكأن الحاكم يمتلك الحق في التحكم بمصائر البشر.


السجون في هذه الدول ليست فقط مكاناً لتقييد الحرية، بل أصبحت رمزاً للرعب. المعاملة اللاإنسانية، التجويع، التعذيب الممنهج، والاختفاء القسري، كلها أدوات تهدف إلى سحق الروح الإنسانية. سوريا، كغيرها من الدول العربية التي تعيش تحت حكم الأنظمة الشمولية، تجسد هذا الواقع المؤلم، حيث يتحول السجن إلى مقبرة للأحياء.


في المقابل، عندما ننتقل إلى دول تُعتبر رمزاً للديمقراطية وحقوق الإنسان، مثل الولايات المتحدة، نجد أن هذه القيم تتهاوى في أماكن مثل سجن غوانتانامو. هذا السجن الذي أصبح وصمة عار في تاريخ الإنسانية يبرز التناقض الفاضح بين الخطاب والممارسة. فالدولة التي تنادي بحقوق الإنسان كانت ولا تزال تُدير مركز اعتقال يمارس فيه الاحتجاز التعسفي والتعذيب دون محاكمة عادلة. غوانتانامو ليس استثناءً، بل مثالٌ حيٌّ يثبت أن انتهاك الحقوق ليس حكراً على الأنظمة القمعية، وإنما هو ممارسة قد تجد لها مبررات حتى في الدول الديمقراطية.


ليس غريباً أن نجد معظم دول العالم، بغض النظر عن طبيعة نظامها، تمتلك سجوناً تجعل شعر الجنين يشيب من هول ما يحدث داخلها. فالسجن في جوهره ليس مجرد مكان لتطبيق العدالة، بل يعكس أحياناً الوجه الحقيقي للنظام الذي يديره. تختلف الوسائل، لكن النتيجة واحدة: قمع الإنسان وسحق كرامته.


الأنظمة المستبدة تعتبر السجون وسيلة للانتقام وكبح أي صوت معارض، أما الأنظمة الديمقراطية فتجد في السجن وسيلة لحماية "الأمن القومي" أو تطبيق القانون. لكن القاسم المشترك بين الطرفين هو الإنسان المسلوب حقوقه، المقهور داخل جدران لا ترحم.


عندما نتحدث عن السجون، فإن الحديث يمتد إلى ما هو أبعد من جدرانها وأقبية تعذيبها. إنه حديث عن الإنسانية، عن قيمة الفرد وحقوقه. لا يمكن للمجتمع الدولي أن يواصل تجاهله لهذه الجرائم. ما يحدث في سجون الأسد، أو غوانتانامو، أو أي مكان آخر، هو وصمة عار على جبين البشرية. إذا كانت حقوق الإنسان هي المعيار الذي نحكم به على تقدم المجتمعات، فإن العالم بأسره يسقط أمام هذا الاختبار.


الحديث عن السجون ليس مجرد وصف لواقع، بل هو دعوة لإصلاح شامل يبدأ من مواجهة الأنظمة الظالمة، وتعزيز قيم العدالة، واحترام حقوق الإنسان في كل مكان. فما يجري اليوم، سواء في غياهب السجون العربية أو في مراكز الاحتجاز الغربية، هو صرخة تدعو الإنسانية للوقوف معاً ضد الظلم والقهر، وإعادة تعريف ما يعنيه أن تكون إنساناً.