اليمن من البلدان التي تزخر بتاريخ غني وجغرافيا متنوعة، ومن بين مظاهر هذه التنوعات تبرز "العدنات"، وهي - كما يبدو - مسميات تطلق على مواقع تحمل خصائص معينة، بعضها عامر بالسكان والبعض الآخر مندثر. يبدو أن كلمة "عدن" ليست اسماً علماً بقدر ما هي مصطلح يعكس طبيعة مكانية أو صفات جغرافية معينة.
في مناطق عديدة من اليمن، تتواجد "العدنات" بشكل لافت، وخاصة في الشمال الشرقي لمحافظة لحج بين لبعوس، الضالع، وشمال ردفان. في هذه المنطقة الصغيرة وحدها، يمكن حصر ما لا يقل عن عشر "عدنات"، تحمل أسماء مرتبطة بما يميز كل واحدة منها، مثل: عدن حمادة، عدن أهور، عدن غير، عدن أرود، عدن جعشان، عدن الشهي، عدن الدقيق، عدن الحجال، عدن الحوشبي، وعدن الراحة.
وحين يُطلق اسم "عدن" دون تحديد، فإن الإشارة غالباً ما تكون إلى المدينة الساحلية الشهيرة "عدن"، ذات الموقع الاستراتيجي والتاريخ الطويل الذي جعلها محط أنظار الشعوب على مر العصور. ورغم شهرتها ككيان مستقل، فإنها، تاريخياً وجغرافياً، كانت جزءاً من مخلاف أبين. حتى أن النبي محمد ﷺ نسبها إلى أبين في بعض أحاديثه، موضحاً دورها المستقبلي في خروج الأخيار منها، وذكرها كموقع ستخرج منه النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر.
وتمتلك مدينة عدن إرثاً حضارياً عريقاً، حيث مرّت بأحداث بارزة عبر مختلف العصور:
- يُقال إن بلقيس ملكة سبأ زارت عدن مع حاشيتها، ما يعكس أهميتها في العصر السبئي.
- ودخلها الملك البابلي بختنصر عام 574 ق.م خلال حملته العسكرية على الحجاز.
- وكانت عدن أحد أهم الموانئ التجارية في زمن مملكة حمير.
- واحتلتها جيوش الأحباش بقيادة إرياط في أوائل القرن السادس الميلادي.
- واستنجد سيف بن ذي يزن بالفرس عام 513م لتحرير اليمن من الأحباش، وظلت عدن تحت حكم الفرس حتى مجيء الإسلام.
وقد خضعت عدن للحكم الإسلامي بعد الفتح، وكانت تحت سلطة الخلافة الراشدة والأموية والعباسية، إلى أن ضعفت الدولة العباسية، فاستقلت تحت حكم هذه السلالات المحلية:
- الزياديون (819م – 1021م).
- االنجاحيون (1021م – 1159م).
- الصليحيون (1047م – 1137م).
- الزريعيون (1077م – 1173م).
- الأيوبيون (1173م – 1228م).
- الرسوليون (1228م – 1453م).
- الطاهريون (1453م – 1538م).
- العثمانيون (1538م – 1645م)
- الأئمة الزيديون (1645م – 1732م).
- سلاطين لحج (العبادلة) (1732م – 1839م).
وفي عام 1839م، احتل البريطانيون عدن وحولوها إلى قاعدة استراتيجية في المنطقة. استمر الاحتلال البريطاني حتى عام 1967م عندما نالت عدن استقلالها وأصبحت جزءاً من دولة اليمن الحديثة.
إن التعددية في مسميات "العدنات" وتنوعها الجغرافي يعكسان ثراء البيئة اليمنية. ورغم اختفاء بعض هذه المواقع مثل عدن لاعة في حجة وحصن عدن في وادي حضرموت، إلا أن تراثها يبقى محفوراً في ذاكرة التاريخ.
تمثل "العدنات" جزءاً أصيلاً من الهوية الجغرافية والثقافية لليمن، بينما تبقى مدينة عدن شاهداً حياً على التاريخ الغني والمتغير للمنطقة. بفضل موقعها الاستراتيجي وإرثها الحضاري، تستمر عدن في لعب دور محوري في الحاضر والمستقبل، تماماً كما كانت في الماضي.
والله تعالى أعلم!
ودمتم سالمين!