القرآن الكريم أسمى وأقدس كتاب أنزل من السماء ، ذاك الكتاب لغته كما هي سنة الله في جنس الكتب والرسل هي لساننا وبياننا، ولغتنا نحن العرب لغة جمالية تكاد مفرداتها ترسم صور معانيها عند لفظها ، لا سيٌما إن تدفقت الحروف من منابعها الثرة وأعطيت حقها ومستحقها من الصفات ، هناك ترابط عجيب في الاشتقاقات والدلالات ، على سبيل المثال ألا ترى أثر الحرارة باديا في الكلمات التالية: ك"حار ، وحريق، وحسيس، وحس، وأح ، وحبّ، وحرب ، و حميم، وحبيب ، وحنين، وحمى".
لغة القران لغة غناء وطرب ، ألا تلاحظ أن أكثر كلماتها هو الاسم الذي غالبا ما تلحقه النون ، كالمثنى وجمع التصحيح ، ويعدها المعربون زينة للفظ ، والمفرد المعرب الأصل فيه التنوين ، والتنوين هو نون استغنى عنه في الكتابة بتكرار الشكلة ، حتى الممنوع من الصرف يصرف وينون في الشعر، وكذلك صُرف بعضه في القرآن في بعض القراءات. وللنون نغما وجرسا موسيقا عاليا ناهيك إن كان مدغما أو مخفيا أو منقلبا إلى ميم.
النون في اللغة كبيانو بيد فنان ، والنون والتنوين هو الغناء والتغني ، العرب تقول : نون الطائر ؛ إذا رفع صوته بالغناء وانشد.
النص القرآني تجده في قمة النصوص الأدبية بلاغة وحبكة وغناء ، ولو لم يك كذلك ما شُفيت به الصدور وانشرحت واطمأنت ، هو لمن تذوقه ، وفهم معانيه ، وأسلوبه البديع الذي عَجز بلغاءُ العرب على الإتيان بمثله، فتاقت إليه روحه ، واشرأب له سمعه ، وذلك لا يكون إلا للمؤمن.
لهو الحديث هو الغناء ، والحياة كلها لهو ولعب ، واللهو ما فيه متعة وقرة عين كالزوجة والولد ، والغناء إن لم يكن فيه إضلالا عن سبيل الله لا غبار عليه ، وقد يجتمعان في قلب مؤمن.