مرّت أيام ليست قليلة، لم أكتب فيها حرفاً واحداً، عافيت كلّ ما ألفته، هجرت وسائل التواصل والأقارب والأصدقاء، بل والصحف والمواقع أيضاً. وقد ضاق صدري، واعتقلت لساني إلا من كلماتٍ معدوداتٍ ممزوجاتٍ بغيض وزفير يسمعهما كلّ من حولي، ولكأني سعير التي أعدها الله لمن كذب بالساعة.
أيا حبيبتي، في صدري أزيز مرجل، يغليه سعير عشقك، وليس هنالك ما أدعو هلاكاً كثيرا، بل كثيرا كثيراً ما أدعو، وذلك لي، لا لك، أنت المكذّبة بحبّي.
وكلما سنحت لي فرصة لأخبرها بحبّي تُكذّبني، وقد أريتها من الحجج والبيانات ما أراه محمد رسول الله لكفار مكة المكذبين بالبعث وصدق الرسالة. كانت حجتها الواهية (لتكفر أثناء الدعوة السرّية) بأنّ قلبي قد تلوّث بحبّ السابقات إليه، فصدعت بأمرها وأعرضت عن الجاهلين وأجليت عن قلبي الساكنين كما أجلى رسول الله يهود المدينة، وانسلخت عمن سبقها بإيمان كانسلاخ الليل عن النهار أو حيّة عن جلدها، ثم جئتها أخال نفسي قد تطهرت، فعبست وتولت وصدّت قائلة: "لقد تلوثت ولا يطهرك حتى ماء دجلة والفرات".
حينئذ ضاقت بي الأرض بما رحبت، ولم أجد ملتحدا سوى الله، لجأت إليه، فحفظت كتابه، ووجدت فيه السعادة شيئاً فشيئاً، بل وجدت فيه أيضاً أنّ الكفر والفسوق والجحود كلمة حقّت على كفار مكة لأنهم لا يؤمنون، وكذلك على حمامة، ووجدت في آيات القرآن الكريم أيضا، أنه يجب ألا أقتل نفسي على أثر حمامة إن لم تؤمن بحبّي.
ليلة أمس تصل إلي رسالة هاتفية تحثني فيها حمامة التعزية أنّ أكتب رسالة الماجستير مستغربة عن سرّ تأخري في البتّ فيها، وكأنها لا تعلم عن سوء حالي شيئا، قلت لها: مثلي لا يصلح أن يسبر أغوار البحث العلمي، وانتهى حديثنا...
إن كتبت رسالة الماجستير يا حمامة، أتؤمنين بها؟ أم ككفار مكة الذين قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم؟!
أتقبلين بي زوجا لنعيش معاً في كوخ صغير على قمة جبل في قرية نائية، يتخلله نهر ويملأ ذلك الكوخ نور وجهك وصوت صبيانك وبناتك وحنجرتك الذهبية... بعيدا عن البارود وأصوات الموت والحرب.
هيا حمامتي ردّي سريعا، ولا تكوني كالذي فكر وقدّر وعبس وبسر، ثم أدبر واستكبر، فقال إن هذا سحر يؤثّر!.